عندما اثار خطاب غشت الماضي موضوع الجبهة الداخلية ، فهو حتما يتضمن وعيا عميقا بأن قوة الجبهة الداخلية لن تتأتى بدون دمقرطة الحياة العامة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على وجه الخصوص .
إن الجبهة الداخلية منوطة بتحرير المواطنين من كل أشكال التضييق والإسكات والتوجيه والترويض والتطويع ، فحرية الرأي وحرية التعبير والحق في التنظيم والحق في الاحتجاج والحق في المشاركة والحق في النقد والحق في المحاكمة العادلة……كلها لبنات لتأسيس جدار الجبهة الداخلية.
هذه الحقوق وغيرها كثير، حسمت معها الوثيقة الدستورية وأضحت من المكتسبات منذ سنة 2011 ،بل حتى النموذج التنموي الجديد الذي تبنته حكومة اخنوش في تصريحها امام البرلمان،بنى أعمدته الأساسية على المكتسبات الدستورية ، وبالتالي يفترض أننا في غنى عن من يبتز الوطن ويتطاول على سيادته ، ولكن دعونا نقر بأن هناك أشخاص، للأسف، يعملون احيانا خارج الضوابط الدستورية وضدا على الأجهزة التي يمثلونها .
ما تعقده بعض الهيئات السياسية والحقوقية والنقابية والجمعوية من ندوات ردا على ضربة البرلمان الاوروبي تحت الحزام قد توحي بتماسك الجبهة الوطنية ، ولكن علينا أن نرى هذه الهيئات كذلك تتحرك بنفس الحماس والتلقائية وبنفس جرعة المواطنة لمواجهة الخروقات الدستورية …
لماذا مثلا لم تقم الجمعيات الحقوقية الدنيا (باستثناء العصبة ) على موضوع شنق وخنق آمال 70 الف من خيرة شبابنا الطموح على أعتاب ما عرف بامتحان المحاباة…..؟ فالدفاع عن الحقوق وبدون خلفيات لا يقل قيد أنملة عن اداء الواجبات اتجاه الوطن ، فالحقوق والواجبات وجهان لعملة واحدة إسمها المواطنة .
نحن في مواجهة مع الغرب منذ القرن السادس عشر تخللت هذه الفترة الكثير من الاجتياحات والتغلغل في اراضينا ونهب ثرواتنا وما واكب ذلك من قتل واغتصاب وتشريد وحرق للممتلكات ولمعالم الحضارة …..
فغرب الامس هو غرب اليوم فقط لبس عباءة الديمقراطية وتعطر بثقافة حقوق الانسان….نحن اليوم في مواجهته شئنا أم أبينا ، أجهزته الظاهرة والخفية تعمل ليل نهار على رصد كل مظاهر الحياة في دولنا . ملاحظاته وآراؤه وحتى قراراته الملزمة وغير الملزمة إنما تتم بدافع مصالحه ليس إلا ، وليس تعاطفا مع أفراد او فئات ربما لحقهم غبن او حيف او تمييز في مجال من مجالات الحياة بفعل أخطاء اشخاص او بفعل حسابات ضيقة الدولة منها براء .
إذا عدنا الى قرار البرلمان الاوروبي نجد أن هناك معطيات تروج وتفيد بأن فرنسا هي من يقف وراءه ، بحكم أن فرنسا تضررت كثيرا جراء نتائج “اتفاقات ابراهام ” وما أعقبها من دينامية في العلاقات المغربيةـ الأمريكية ، والمغربيةـالاسرائيلية .
إن هذه التحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم مؤخرا أفضت بكل تأكيد الى تشكل علاقات دولية جديدة يبدو ان المغرب ينظر إليه في هذا الإطار على أنه شريك قوي وذو مصداقية ،وهذا ما يغيض الدولة العميقة في فرنسا التي مازالت تنظر إلينا كحديقة خلفية نحن وغيرنا من دول غرب افريقيا ودول الساحل والصحراء .
ولربما الزيارة المرتقبة لوزير خارجية روسيا الى المغرب هي من دفع فرنسا عبر البرلمان الأوروبي إلى هذا السلوك العدائي ،لثني المغرب عن أي تقارب مع روسيا عدو الاتحاد الأوروبي الحالي ومنافس فرنسا في مستعمراتها الافريقيه السابقة .
في حين نجد سلوك الإدارة الأمريكية إزاء زيارة المسؤول الروسي كان أكثر فطنة وذكاء حيث سارعت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون المنظمات الدولية إلى تجديد دعم الولايات المتحدة الأمريكية لمبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي للنزاع حول الصحراء المغربية في محاولة ربما لاحراج روسيا .
ليس من الحكمة جمع البيض في سلة واحدة ، كان من الأجدر ان يكون الرد على البرلمان الأوروبي من البرلمان المغربي وبدعم من البرلمان العربي وربما الافريقي فقط
اما ردود الهيئات الاخرى : سياسية و نقابية وحقوقية وجمعوية كان عليها ان ترد مباشرة على فرنسا لعزلها عن مؤسسة الاتحاد الأوروبي، ومن هذه الزاوية أحيي الحكومة المغربية (…..هذه أول تحية…!! ) على تحليها بالثبات والتريث رغم ان المنطق يفرض ان يكون بلاغها في مقدمة البلاغات…..
لكن الحكومة مدعوة قبل هذا وذاك إلى لجم الأصوات النشاز داخلها، ومدعوة كذلك إلى الخروج من حالة التردد ، والتدخل لفرض وفائها لتعهداتها،ونطرح عليها السؤال المباشر : هل بأمثال الوزير وهبي نبني جبهة وطنية متماسكة…؟
إن بناء مغرب الانصاف والمصالحة ، ومغرب العدالة المجالية والاجتماعية ،إنما يتم بفتح الافاق أمام الشابات والشباب بناء على الاستحقاق وتكافؤ الفرص وليس على الحيف والتمييز بخطاب الاستعلاء الطبقي كما يروج له وزير يقال أنه يحمل حقيبة العدل!!!
إن الحكومة مدعوة كذلك (بكولستها )بالدفع في اتجاه عزل الرجل والابقاء على الحزب لضمان استمرارها وفق قاعدة ﴿﴿كما تسل الشعرة من العجين﴾﴾
وعندما نبني جبهة وطنية آنذاك يمكن ان نتغنى مع إيليا ابو ماضي
سقف بيتي حديد
ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح
واهطلي بالمـطـر
لطالما كررهما الحسن التاني في خطبه انتشاء بإجماع وطني حول قضية من قضايا الوطن