لقد أثار وباء كورونا جدلا واسعا في السنوات الأخيرة بعد أن خلف مئات الآلاف من الوفيات والمصابين جسديا ونفسيا لكن فخامة الإمبراطورالمعظم كوفيد التاسع عشر كما أسماه الصحفي والكاتب عبد العزيز كوكاس رحل تاركا أيضا تبعات وتداعيات اقتصادية واجتماعية طالت مختلف القطاعات. ولم تضمد الجراح بعد، ولم يتنفس الناس الصعداء بشكل عميق بعد طوفان الوباء اللعين ،الذي كان بمثابة السيل الجارف يأخذ كل من يعترض سبيله، حتى بدأنا نسمع عن وباء جدري القرود.
هل هي نكتة سخيفة أم مزحة لطيفة، إنه من الصعب التنبؤ بدقة وتحديد ماذا يخبىء لنا المستقبل مع هذه الجائحة التي أطلق عليها اسم حيوان لطيف لطالما كنا نلعب معه ونحمله على أكتافنا لأخذ صور تذكارية كلما شددنا الرحال بجبال الأطلس أو بساحة جامع الفنا بمراكش الحمراء.
لقد أعلنت منظمة الصحة العالمية تفشي هذا المرض في إفريقيا باعتباره حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا وهو حسب الخبراء مرض معد يسببه فيروس وأعراضه شبيهة بالانفلونزا كالحمى والقشعريرة وآلام العضلات بالإضافة الى طفح جلدي .
وتشهد الكونغو الديمقراطية الواقعة في القارة السمراء تفشيا حادا لهذا الوباء كما سجلت إصابات في بعض الدول الافريقية التي تعاني من ضعف وتدني الخدمات الصحية، فهل ينتشر جدري القرود عبر العالم ويبسط سيطرته على المعمور كما فعلت جائحة كورونا التي قطعت أوصال العالم وفرقت بين الأهل والأحباب وشلت حركة التنقل برا وجوا وبحرا لشهور عديدة.
وهل ستدق منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر مجددا وهل تشرع أبواق منابر إعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي المتعطشة لمزيد من المداخيل المالية في ترديد نفس الأسطوانة التي رافقت تفشي كوفيد 19 أم هي سحابة صيف عابرة كما يأمل الجميع ؟
يعتقد البعض أن المسؤولية في انتشار هذا الوباء أو غيره تعزى إلى الرأسمالية الجشعة وقوى الشر واللوبيات الاقتصادية التي دمرت البيئة ومواردها الطبيعية، وقد أظهرت بعض الدراسات أن هناك علاقة متينة بين تدهور التنوع الحيوي وبين انتشار الأوبئة ذات المصدر الحيواني علاوة على الارتباط الوثيق بين انتشار الأمراض المعدية وبين النمو الديمغرافي الذي نتج عنه التوسع العمراني وزحف الاسمنت على الغطاء النباتي فكان من البديهي أن يدفع البشر ثمن الإعتداء والعبث بالطبيعة.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه الأوبئة وغيرها من الجوائح تثير العديد من الأسئلة الوجودية وتشكل رؤى وآفاقا جديدة بشأن كينونة الحياة والوجود الإنساني كما تترك آثارا وجروحا نفسية بعضها يتطلب سنينا للتعافي منها .