تصادف تصاعد الأزمة المغربية الاسبانية ، و آن كنت أقرأ رواية la ruta للكاتب الإسباني Arturo barea ، وهي رواية تدور أحداثها شمال المغرب ، خلال الفترة الاستعمارية ، في بدايتها و التي تميزت بمقاومة عنيفة للمغاربة ، كلفت الجيش الإسباني خسائر بشرية هائلة ، كانت سببا في التغيرات السياسية التي شهدتها إسبانيا قبل وبعد الحرب الأهلية ، و الرواية ( أحداث حقيقية في جلها ) ، تساعد كثيرا على فهم تعقد العلاقات المغربية الاسبانية ، في شقها الانساني ، الجغرافي ، التاريخي .
الكاتب Barea هو صحافي وكاتب من مواليد العام 1897 بمنطقة بداخوس ، قبل أن ينتقل الى مدريد ، إنقطع عن الدراسة مبكرا للعمل خاصة في أحد البنوك ، قبل إستدعائه الى الجيش ، وإرساله الى شمال المغرب ، عند عودته الى اسبانيا ، بعد نهاية خدمته العسكرية ، إنخرط في الحمى السياسية التي كانت تشهدها العاصمة الاسبانية مدريد انذاك ، سنوات قليلة قبل الحرب الأهلية ، Barea كان خلال الحرب ضمن الخندق الجمهوري ، وعمل خاصة في الجانب الثقافي و البروباغندا ، قبل أن يضطر الى مغادرة اسبانيا الى المنفى في انجلترا بعد نهاية الحرب .
للكاتب أعمال عديدة ، لكن تهمنا هنا رواية la ruta، التي هي مذكرات مقنعة في عمل روائي ، للفترة التي قضاها الكاتب في الخدمة العسكرية شمال المغرب ، و التي استمرت ثلاث سنوات ، خلال روايته ينقل الكاتب توصيفا دقيقا للأحداث خلال تلك الفترة ، كاشفا المقاومة الشرسة ( يصفها بالوحشية في غالب الأحيان ) ، التي كانت تواجه الجيش الاسباني في كل متر يتقدمه شمال المغرب ، متحملا خسائر بشرية هائلة ، تدفعه في الغالب للانسحاب ، تاركا قادته يفاوضون زعماء القبائل للتهدئة في مقابل مبالغ مالية و أسلحة ، و أثار انتباهي هنا ، أن الكاتب يتهم الفرنسيين ببيع الأسلحة لقبائل الشمال المغربي ، الكاتب خصص الحيز الأهم لروايته لفضح حجم الفساد داخل منظومة الجيش الاسباني شمال المغرب ، كاشفا أن الجنرالات كانوا يعتبرون تواجدهم في شمال المغرب تجارة رابحة لا يمكن التخلي عنها ، من هنا مقاومتهم لكل دعوات الانسحاب رغم الخسائر الهائلة ، خاصة بعد هزيمة أنوال ، ولهذا الغرض ، يصبغون تشبثهم بالمغرب بعوامل التاريخ و ارث حروب الاسترداد ، و لا يترددون في التدخل في الشأن السياسي في مدريد للحفاظ على مصالحهم على حساب فقراء الشعب الاسباني الذين كانوا يشكلون الغالبية العظمى لعناصر الجيش ، الأغنياء يشترون إعفائهم من الخدمة ، أو الإكتفاء بالأعمال المكتبية بعيدا ، عن مخاطر المعارك ، و للتدليل على قوة تأثير الجنرالات الإسبان شمال المغرب ، يتحدث Arturo Barea عن تمكنهم من مقاومة الجنرال بريمو دي ريفيرا ، الديكتاتور القوي لإسبانيا في رغبته المعلنة في الانسحاب من المغرب ، فجنرالات الجيش الاسباني شمال المغرب ، حسب الكاتب كانوا يسرقون و يتاجرون في كل شيئ بدأ من الأسلحة و حتى غذاء و لباس الجيش ، ولم يغفل الكاتب أن يثير الشكوك حول علاقة الجنرالات بصفقات المناجم ، بين رجال أعمال و زعماء القبائل .
الرواية تترك علامات إستفهام ، فرغم عدم تخصيصه حيزا كبيرا منها للحديث على المغاربة ، فهو لم يتورع عن وصفهم بالمتوحشين المتسخين ، كيف ليساري جمهوري الفكر ، يدافع عن الانسانية و يناهض الاستعمار ، أن يصف المغاربة بهذه الاوصاف ؟ ، و هو المزداد في منطقة ( باداخوس ) ، التي تحتضن وجودا عمرانيا مهما يؤكد على عضمة حضارة هذا الشعب الذي يدعي الاسبان أنهم يستعمرونه بهدف نبيل هو إدماجه في الحضارة ، وفي نفس الوقت الكاتب لم يخفي استنكاره لهذا التبرير الاستعماري ، في احدى جمله يتسائل ، كيف لجنود إسبان أميين و متسخين وجوعى أن يقوموا بإدماج المغاربة في الحضارة ؟ …
رواية La ruta تفسح المجال لفهم أوسع و أكثر دقة لفهم نظرة الاسبان نحو المغرب ( خاصة الشمال و ضمنه مدينتي سبتة ومليلية الحاضرتين بقوة في الرواية ) ، نظرة السياسي ، رجل الأعمال ، العسكري ، و المواطن العادي الإسباني ، نظرة يتداخل فيها التاريخي و الجغرافي و السياسي و المصلحي في تشابك وتعقد ، يتجاوز تعقد علاقة أي بلدين و شعبين جارين على خريطة هذا الكوكب ، يكفي الانتباه الى التشظي الذي يطال نظرة كاتب هذه الرواية ، Arturo Barea اليساري الجمهوري ، الذي تخرج بعد قراءة الرواية بانطباع أنه يكره نفسه .