كان حظ برلمانية مغربية شابة عاثرا جدا، أولاً بفقدانها لكلبتها، وثانيا بنشرها إعلان البحث عنها، في ذروة بحث المواطنين عن الخروف المناسب لعيد الأضحى؛ مما حول الموضوع إلى طوفان من السخرية في وسائط التواصل الاجتماعي.
القصة بسيطة جدا لو كانت في زمن غير زمن العيد، وارتفاع أسعار المحروقات وبعض المواد الأساسية الأخرى، كما كانت ستكون عادية لو صدرت من مواطنة لا تحمل صفة برلمانية، ربما تلك هي جريرة هذه الشابة التي حصلت على مقعدها في البرلمان عن طريق اللائحة الجهوية لحزب “الحركة الشعبية” الذي اصطف في المعارضة حديثا.
البرلمانية سكينة لحموش، الشابة والطبيبة كما أفادت تدوينة لصحافي مغربي، كانت وليمة دسمة لمواقع التواصل الاجتماعي ولتدوينات ساخرة تحولت من الضحك إلى الاستفزاز. وربما تكون المعنية بالأمر قد ندمت على نشر الإعلان وتقاسمه مع رواد هذه المنصات الذين لم يرحموا “كبدها” المحروقة على الكلبة التائهة في شوارع أحد أرقى أحياء العاصمة الرباط.
الحق يقال إن الطبيبة البرلمانية الشابة لم تقصّر، فقد وضعت مكافأة مالية ووعدت بها كل من يعيد إليها “ابنتها” كما وصفتها في الإعلان المثير للجدل.
ذلك سلوك العرفان من جهتها أن تكافئ من يعيد إليها “لولا”، الكلبة فرنسية الأصل وسوداء اللون من نوع “بولدوغ”، وأن تنطفئ نار الفراق الحارقة بلقائها قريبا.
البرلمانية الشابة انشغلت بطوفان مشاعرها الذي أغرقها في القلق، ونسيت طوفان التدوينات الساخرة التي فاضت على جنبات إعلان صغير وبسيط وعفوي نشر في منصات التواصل الاجتماعي.
لكن المعنية بأمر الفقدان لم تكن وحدها في المعركة، فقد دافعت عنها أسماء وازنة في المشهد الإعلامي والسياسي. دفاع في الأصل على منطق الظلم و”الحكرة” (الاحتقار) التي انهالت على البرلمانية الشابة، وهي التي لم تقترف سوى خطأ البحث عن “كلبة” في زمن البحث عن خروف العيد.
أول تدوينة قاسية تبرز في باب النقد اللاذع، هي تلك التي كتبها الباحث عدنان الجزولي، وقال بداية: “ترددت في التعليق على هذه الواقعة لكن الأمر فرض نفسه.” ويشرع في تشريح الواقعة، بقوله: “فأن تصل برلمانية مراهقة إلى درجة الإعلان عن جائزة مادية لمن يعثر على ابنتها/ كلبتها فهذا أوج العبث وقمة الاستهتار بالمسؤولية”.
وأضاف الجزولي: “سيقال إن ما تقوم به هذه الصبية المنتخبة من توجيه لنداء من أجل كلبتها الصغيرة طبيعي وربما عادي وإنساني.. لكن أن تخرج من البرلمان وتناشد ساكنة الرباط والنواحي العثور على تلك الكلبة، فهذا تعبير آخر عن الانحطاط الفظيع الذي تجرنا إليه طبقة من الأثرياء الجدد الغارقين في النعيم”.
التدوينة زاد صاحبها الكثير من التساؤلات، بل نال حتى الحزب الذي تنتمي إليه البرلمانية، نصيبه من القدح حتى ولو بكلمة واحدة.
وإحدى التدوينات الأخرى تاه اسم صاحبها في زحام ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، علقت ساخرة بالقول إن على رئيس البرلمان أن يقرأ إعلان البحث عن الكلبة في جلسة عامة، هو التمادي في تشريح الواقعة الذي بلغ حد التجريح في تدوينات أخرى.
لكن البرلمانية لم تكن وحدها في معركة الإعلان عن فقدان “ابنتها/ كلبتها”. فقد بادرت الإعلامية والسياسية اليسارية المغربية حنان رحاب إلى التساؤل في تدوينة على صفحتها أين المشكل إذا بحث إنسان عن كلب أو قط ضاع منه.
وتابعت تساؤلها المفضي إلى إجابة ضمنية، بالقول: “أين المشكل إذا كان هذا الإنسان أستاذا أو طبيبا أو نجارا أو رب بيت أو برلمانيا أو تلميذا أو عاطلا عن العمل؟”.
وخلصت الصحافية إلى أنه “غير مقبول نهائيا من واحد يعتبر من طليعة المجتمع يتنمر ويشهر بإنسانة اليوم هي برلمانية، لأنها نشرت إعلانا تبحث فيه على كلبتها”. واستغربت من عدم الرفق لا بالإنسان ولا بالحيوان.
إلى جانب الصحافية رحاب، كان صحافي مغربي آخر في موعد الدفاع عن الحدث كجوهر وليس عن البرلمانية. واستحضر الإعلامي محمد البقالي حكاية طبيبة حلت قبل ربع قرن بمدينته، وكانت شابة حديثة عهد بالتخرج تشي ملامحها بأثر نعمة غير محدثة.
وأشار إلى أن عيادة الطبيبة أغلقت بعد وقت وجيز من فتحها، موضحا أن أسباب الإغلاق ومغادرة الطبيبة للمدينة تعددت “لكن أحدها كان ظاهرا: كانت الطبيبة الشابة تخرج كل مساء في جولة مع كلبها الصغير من فصيلة (شيواوا) في الشارع المكتظ بالمارة والباعة والمتجولين.” وأضاف: “حتى صار اسمها تندّرا (الطبيبة مولات الكلب)” (الطبيبة صاحبة الكلب).
وبعد تحليل علاقة المدينة بالكلاب وضرب الأطفال لها بالحجارة، فإن “طبيبة تصحب كلبا تعامله كما تعامل طفلها ليست جديرة بالثقة وفق أعراف مدينة صغيرة قبل ربع قرن”.
وقال البقالي في تدوينته أيضا” “دعك من الشعبوية!”، مؤكدا أنه “بقليل من الهدوء يمكن أن نفهم أنه لا الطبيبة في مدينتي قبل 25 عاما، ولا النائبة البرلمانية اليوم ارتكبتا خطأ أو إساءة في حق أحد”.
وحسب صاحب التدوينة فإن خطأ البرلمانية هو “تواصلي بالأساس”، وأيضا “يتزامن بحث الست عن كلبها مع وضع اقتصادي صعب كهذا الذي يمر منه البلد (والعالم) فإن كثيرين رأوا في بحث البرلمانية عن كلبتها (استفزازا) يقول لهم (لسنا مثلكم، إذا كنتم أنتم مشغولون بارتفاع الأسعار وكبش العيد، فلدينا مشاكلنا أيضا، وأهمها مشكلة الكلب الضائع)”.
وأشار البقالي إلى أن “شعب الفيسبوك لا يمكن حرمانه من حقه في السخرية من سياسييه لكن دون السقوط في الشعبوية واختصار مشاكل البلد في (ست تبحث عن كلبتها)”. ليختم بالدعاء “أعادها لها الله سالمة!”.
من التدوينات أيضا، ما كتبه الإعلامي عمر إسرى، الذي اعتبر أن “النقاش الذي صاحب تدوينة لفتاة برلمانية، تبحث عن (كلبتها) المختفية بحي السويسي في الرباط… نقاش يُبعِد الأصبع عن مكمن الداء، ويسَطِّحُ النقاش العمومي… من حق أي مواطن أن يمتلك كلبا أو كلبة، قطا أو قطة، قنفذا أو قنفذة، خروفا أو شاة، وهلم جرا… ومسألة البحث عن شخص أو حيوان أو ممتلكات ضائعة، مسألة عادية جدا…”.
لكنه استطرد موضحا، بالقول: “الذي ليس عاديا هو إغراق البرلمان بأناس لا يستوفون شروط تمثيل الأمة، من خلال مقاربات عائلية هدامة: (عندي الفلوس بغيت بنتي أو ولدي أو أختي أو زوجتي تولي برلمانية)، هكذا أصبحت هذه المؤسسة تعج بالعائلات دون أية إضافة نوعية للعمل التشريعي البناء”.
وحسب إسرى، فإن “المسألة هنا ترتبط بالأزمة الحزبية البنيوية التي جعلت من الكثير من التنظيمات السياسية مؤسسات تنخرها الزبونية والمحسوبية و(منطق العائلة)، هنا يجب أن يصب النقاش لنفتح الباب لاقتراح بدائل ومخارج من الأزمة الحزبية التي تنعكس بشكل تلقائي على المؤسسة البرلمانية والحكومية ومختلف المؤسسات التمثيلية. وتعرقل بالتالي مسار التنمية والدَّمَقْرطة”.
وخلص صاحب التدوينة إلى أن “المطلوب منا ليس (المزايدة) على كلبة ضائعة لأن صاحبتها برلمانية، بل تطوير النقاش حول الكفاءة الضائعة، والجودة الضائعة، ومنطق الاستحقاق الضائع… ما يهمنا العثور عليه واستعادته، ليس كلبة البرلمانية، بل جودة المؤسسات التمثيلية وأحزاب حقيقية قادرة على قيادة القاطرة نحو التغيير الديمقراطي والتنمية والنهضة”.
وعلى شاكلة النهاية السعيدة للأفلام، زفّ المدون عبد المنعم بيدوري، أول أمس الخميس، البشرى لمتابعي أخبار البرلمانية صاحبة الكلبة قائلا: “واكتملت الفرحة برجوع “لولا” إلى حضن “أمها”! الليلة عيد… لكنه لم يوضح كيف عثر عليها ولا قيمة المال الذي رصدته المعنية بالأمر لمن عثر على الكلبة المدلعة.