على بُعد أيام قليلة، وبالتحديد في نهاية الأسبوع الجاري، سيتوجّه ملايين الأتراك ممّن يحق لهم التصويت، ويبلغ عددهم أكثر من 64 مليون شخص، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للجمهورية وبرلمان جديد.
كانت الحملة الانتخابية غير مسبوقة في تاريخ تركيا الحديث من حيث حدّة الاستقطاب السياسي والمجتمعي المرتفع والاتهامات المتبادلة بين المتنافسين. لقد استخدم التحالفان الرئيسيان في هذه الانتخابات، وهما “الجمهور” الحاكم، بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، و”الأمة” المعارض، بقيادة منافسه للرئاسة كمال كليتشدار أوغلو، مختلف وسائل التأثير لمخاطبة الجمهور ومحاولة استقطاب الناخبين.
معظم الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية التي جرت في العقدين الماضيين كانت أشبه باستفتاء على مستوى شعبية حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، لأن المعارضة لم تكن قادرة حتى على خوض منافسة متكافئة.
الآن، ومع اقتراب الحملة الانتخابية من نهايتها، هناك الكثير من الأسئلة الكبرى حولها لا تزال دون أجوبة واضحة. بمعزل عن استطلاعات الرأي التي أجرت شركات مقربة إما من الحزب الحاكم أو من أحزاب المعارضة، والتي أعطت نتائج متناقضة للغاية في ما بينها، فإن استطلاعات الرأي المستقلة، أجمعت على أن الأرقام التي سيحصل عليها المرشحان الرئاسيان البارزان، أردوغان وكليتشدار أوغلو، في جولة أولى أو ثانية، متقاربة للغاية، لدرجة أنّها قد لا تبقى ثابتة تماماً سوى قبل ساعات قليلة من التصويت.
على عكس معظم الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية التي جرت في العقدين الماضيين، والتي كانت أشبه باستفتاء على مستوى شعبية حزب “العدالة والتنمية” الحاكم وأردوغان، لأن المعارضة وقتها لم تكن قادرة حتى على خوض منافسة متكافئة مع الحزب الحاكم، فإن الانتخابات الحالية تبدو مختلفة بشدة. فهذه هي المرة الأولى التي تتوحّد فيها سبعة أحزاب معارضة، بينها ثلاثة أحزاب كبيرة (الشعب الجمهوري،
والجيد القومي، والشعوب الديمقراطي الكردي) خلف مرشح رئاسي واحد بهدف هزيمة أردوغان. كما أنّها المرّة الأولى في عهد أردوغان، تُجرى فيها انتخابات في ظل ظروف صعبة اجتمعت مع بعضها البعض. شهدت البلاد قبل ثلاثة أشهر زلزالاً مدمّراً أدى إلى مقتل ما يقرب من خمسين ألف شخص في ولايات جنوب البلاد، فضلاً عن خسائر مادية تُقدّر بمئة مليار دولار أمريكي. كما أن التضخم يتجاوز في الوقت الحالي حاجز الأربعين في المئة، في وقت تراجعت فيه قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية إلى مستويات قياسية. إذ يتأرجح سعر الدولار حالياً بين 19.5 و19.6 ليرة تركية.
شهدت البلاد قبل ثلاثة أشهر زلزالاً مدمّراً أدى إلى مقتل ما يقرب من خمسين ألف شخص في ولايات جنوب البلاد، فضلاً عن خسائر مادية تُقدّر بمئة مليار دولار أمريكي.
لكنّ أردوغان سعى لمواجهة هذه الصعوبات عبر الإنفاق بسخاء على حزم التحفيز الاقتصادي. لقد قرر أكثر من مرة زيادة رواتب موظفي القطاع العام ورفع الحد الأدنى للأجور في الأعوام الأخيرة التي أعقبت بدء الاضطرابات الاقتصادية، خصوصاً بعد عام 2018، ومن المقرر أن تُرفع الرواتب مُجدداً هذا الأسبوع. كما تحدى وجهة النظر التقليدية الاقتصادية في مواجهة التضخم عبر خفض أسعار الفائدة بدلاً من رفعها بهدف خفض قيمة الاقتراض ومواصلة النمو الاقتصادي.
يُجمع كثير من المحللين على أن هذه الصعوبات الاقتصادية وتداعيات الزلزال كان لها أثر على شعبية الرئيس التركي، لكن لا يُمكن الجزم بحجمه. يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي عمر كوش لـ “القدس العربي” إنه من الصعب تجاهل هذه التداعيات على شعبية أردوغان والحزب الحاكم “لأن الصعوبات الاقتصادية وارتفاع نسبة التضخم دفعت شريحة من الطبقة الوسطى إلى التعبير عن غضبها من السياسات الاقتصادية المتبعة في السنوات الأخيرة”. مع ذلك، لا يُمكن قول ما إذا كان هذا التراجع وصل إلى الحد الذي يُشكل تهديداً حقيقياً لحكم أردوغان.
يقول الصحفي التركي المعروف مراد يتكين، في مقال نشره مؤخراً على موقعه الإلكتروني، إنه “لا يمكن التكهن بأن الرئيس أردوغان سيخسر انتخابات 14 مايو”. ويضيف: “بالنظر إلى أن غالبية استطلاعات الرأي تتوقع وصول الانتخابات إلى جولة ثانية في 28 مايو، فإنه من غير المؤكد أن زعيم “حزب الشعب الجمهوري” كمال كليتشدار أوغلو سيحصل على 50+1 من الأصوات في الجولة الأولى”.
إذا اضطرت البلاد لإجراء جولة إعادة رئاسية بعد أسبوعين من 14 مايو، فإن العوامل المؤثرة في المنافسة ستكون أكثر تعقيداً مما سيبدو الحال عليه في جولة أولى. فإلى جانب نسب التصويت التي سيحصل عليها المرشحون الرئاسيون الأربعة ونتائج الانتخابات البرلمانية، ستلعب الكتلة التصويتية المترددة دوراً حاسماً في ترجيح كفة الفائز في الرئاسة.
يخوض 4 مرشحين الانتخابات الرئاسية، وهم: الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان عن تحالف “الجمهور”، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو عن تحالف “الأمة” المعارض، مُحرم إينجه رئيس حزب “البلد” المعارض، وسنان أوغان عن تحالف “الأجداد” المعارض، الذي يضم أحزاباً يمينية قومية متشددة. وسيتعين على أحد المرشحين الحصول على أكثر من خمسين في المئة من الأصوات للفوز في الجولة الأولى، أو الحصول على أكثرية الأصوات في جولة إعادة محتملة يعبر إليها مرشّحان فقط. يقول الدكتور سمير صالحة، وهو أستاذ جامعي تركي، لـ “القدس العربي” إنه في جولة إعادة محتملة، “قد يدعم جزء من الكتلة القومية في المعارضة أردوغان بدلاً من كليتشدار أوغلو”.
غالبية استطلاعات الرأي تتوقع وصول الانتخابات إلى جولة ثانية في 28 مايو.
شكل البرلمان
سؤال آخر لم تُقدم استطلاعات الرأي المستقلة إجابة واضحة عنه، وهو الشكل الذي سيكون عليه البرلمان الجديد. في حين أن بعض هذه الاستطلاعات أعطت أفضلية طفيفة لتحالف “الجمهور” للحصول على أكثرية أعضاء البرلمان، فإن استطلاعات أخرى، توقّعت ألا يتمكن التحالف الحاكم من الحصول على أكثر من 300 عضو من أصل 600، لكنّها أشارت أيضاً إلى أن تحالف “الأمة” المعارض لن يتمكن بمفرده من تحقيق هذه الأكثرية، ما يعني أنّه سيكون بحاجة للدخول إلى تحالف مع “حزب الشعوب الديمقراطي الكردي” في البرلمان من أجل الوصول إلى الأكثرية.
إن تحقيق أكثرية أو غالبية للمعارضة يُشكل ضرورة لها لأنها كي تتمكن من تغيير النظام الرئاسي وإنشاء نظام برلماني مُعزز، كما وعدت في مشروعها للحكم، سيتوجب عليها الحصول على 360 نائباً من أجل تمرير التعديل الدستوري في البرلمان، أو 300 نائب من أجل طرح مشروع تعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي العام.
سيتنافس في الانتخابات البرلمانية 24 حزباً سياسياً، و151 مرشحاً مستقلاً، لكن المنافسة ستتركز بشكل أساسي بين تحالفي “الجمهور” و”الأمة”. وسيكون برلمان جديد غير واضح من حيث موازين القوى فيه وصفة لحالة عدم استقرار سياسي قد تدفع البلاد نحو إجراء انتخابات مبكرة.