بمجرد الإعلان عن نتائج امتحانات البكالوريا، يسارع النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى نشر نقط و صور الحاصلين على أعلى المعدلات الجهوية و الوطنية ..
إلا أن الأمر الذي لن يختلف اثنان عن استنتاجه خلال السنوات الأخيرة هو ذلك التفوق الملحوظ من طرف الإناث على حساب الذكور.
فعلى الرغم من اختلاف الطريقة التي يعبر بها كل شخص عن رأيه، إلا أن فكرتهم تظل هي نفسها، و مفادها أن الفتيات هن اللواتي يركزن أكثر في الدراسة و يبلغن المراتب العليا ، بل إن هناك العديد ممن عبروا عنها بطريقة مغايرة قائلين أن عبارة < مكان الإناث في المطبخ > قد تغيرت الآن بل و قد صارت موجهة للذكور نظرا للتراجع الذي تعرفه معدلاتهم بل و حتى نسب نجاحهم . فقد أعلنت وزارة التربية الوطنية أن عدد الإناث الناجحات في البكالوريا بلغ 132 ألفا و 258 ، مقابل 26 ألفا و قد يبدو الأمر طبيعيا للوهلة الأولى ، لكنه في الواقع غير ذلك تماما ، ما دام مرتبطا بتفوق جنس مقابل تراجع آخر .860 من الذكور فقط .
فهذا التفوق ظاهرة اجتماعية لا تحدث بشكل مفاجئ بل لها أسباب و عوامل تتحكم فيها ، إن هي تحققت ففي الغالب ستحدث الظاهرة و العكس صحيح .
في هذا المقال سنقدم أهم هذه الأسباب :
- سلوك مكتسب :
بمجرد إلقاء نظرة سريعة عن الطريقة التي تتم بها تنشئة الفتاة داخل محيطها الأسري والمجتمعي ، سيلاحظ حتما أنها تعيش وفق نظام صارم و محكم .
فهي تتعلم منذ طفولتها النظام و الدقة في كل الأنشطة التي تزاولها ، و مطالبة أيضا بتدبير شؤونها الخاصة منذ الصغر، فهي سرعان ما تتكلف بأشغال البيت و تتحمل مسؤوليات داخل الأسرة، كما أنها تلتزم بنمط عيش محدد : طريقة اللباس و تصفيفة الشعر و غيرها من الأشياء التي يتوجب عليها الالتزام بها، و منه تصير أكثر قابلية لتنظيم شؤونها الدراسية، و الالتزام بالواجبات و إنجازها بالدقة المطلوبة، كما أن هذا الانضباط يولد لديها فيما بعد قدرة فائقة على الإصغاء والتركيز داخل الفصل .
- نزع الاعتراف :
لطالما تعرضت الفتيات إلى التهميش و الإقصاء والاستهزاء بقدراتهن و مهاراتهن الفكرية، فقد كن على الدوام محط سخرية حينما تتطلع إحداهن إلى استكمال دراستها أو بلوغ مراتب عليا، لدرجة أن العديد من الفئات داخل المجتمع تعتبر أن حصول الفتاة على عقد زواج بين يديها أفضل لها بكثير من نيلها شهادة عليا ..
أمام هذا الحيف الذي تتعرض له الفتيات باستمرار، تولدت لديهن رغبة أكثر في إثبات ذواتهن و تنفيذ كل الأفكار المشككة في منسوب ذكائهن، و التي تروج لكون الفتاة ناقصة عقل، و أنها أقل ذكاء من نظيرها الذكر .
أمام كل هذا، حملت الفتيات المشعل، و تعاهدن على انتزاع التفوق و منه الاعتراف ، الاعتراف بهن كفتيات يمتلكن المهارات العقلية نفسها التي يمتلكها الرجل .
- مواجهة المجتمع البطريركي :
إن اجتهاد الفتيات و مثابرتهن على الدراسة ، ليس تحصيل حاصل ، بل هو نتيجة لما تراه هذه الفتاة منذ أن قذف بها في هذا الوجود، لتجد نفسها بين أسوار مجتمع ذكوري يحد من إمكانياتها على التفوق و التحرر، بل و يكرس الأفكار التي تنظر لها ككائن ناقص، أو كائن لا يزال في حاجة إلى رقابة وتوجيه دائمين.
هذه الفتاة تجد نفسها في المنتصف، و أمام منعرجين، الأول هو أن تتزوج بأول شخص يتقدم إليها، و تتعرض للظلم و الاستغلال، (أن تصير آلة لإنجاز الأشغال المنزلية و آلة لولادة الأطفال ) و لا تضمن لنفسها أدنى شروط العيش الكريم.
أما الخيار الثاني ، فهو أن تتمم دراستها و تواجه جميع العراقيل التي تحول دون ذلك، في سبيل إثبات ذاتها و نيل كرامتها، و ضمان مستقبل جيد لها .
إذن فتفوق الفتيات الآن هو نتيجة مباشرة لإدراكهن العميق لهذا الواقع الذي يعتبرن جزءا منه