تعتبر المسألة التعليمية قطب رحى أي تنمية منشودة وعلى السيد وزيرالتعليم الأولي… أن يدرك بحسه السياسي الذي خبره بتحمله المسؤولية في أكثر من موقع ضمن تمفصلات الدولة، أن أكبر رأس مال لأي شعب هو ما يفرزه نظامه التعليمي من طاقات فكرية و ليس فقط الثروات الباطنية او الموقع الجيوسياسي للمغرب.
يبدو جليا أن المغرب يطمح إلى أن يدخل نادي الكبار على المستوى الاقتصادي و هو ما يكشف عنه حجم الاتفاقيات و مضامينها التي عقدها المغرب تباعا في السنوات الأخيرة، لعل آخرها ما تم يوم الأربعاء الماضي مع المملكة المتحدة.
في السياق ذاته، يعمل المغرب جاهدا على استقطاب استثمارات واعدة من اقتصاديات رائدة
كالولايات المتحدة الامريكية والصين و روسيا و الهند و اليابان و التحاد الأوروبي، و بنفس الطموح يسعى إلى ريادة القارة الإفريقية.
لكن للأسف لا يمكن أن نبني دولة قوية اقتصاديا بمجتمع ضعيف معرفيا. إن التعليم ليس مسألة قطاعية فقط، بل هو مصير امة ومجتمع بأكمله.
صحيح انه خلال مدة طويلة اعتقد أن ظاهرة النمو و التقدم الاقتصادي و الاجتماعي مرتبط بالإمكانات المادية و الموارد ، ثم تطورت نظرية التنمية حيث ارتكزت بعد ذلك بالدرجة الأولى على الرأسمال، و اعتبر أهم عنصر مكن الدول الصناعية من الوصول إلى المستوى الذي وصلت إليه، لكن الدراسات المعاصرة حول الشروط الفعلية التي أدت الى حدوث التنمية في إنجلترا أو ألمانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، أو روسيا هو تراكم المعرفة التقنية و العلمية و ليس تراكم الرأسمال فقط كما يؤكد ذلك المفكر السوسيولوجي المغربي محمد جسوس (رحمة الله عليه)، لهذا يجب القطع نهائيا مع المقاربة التي اعتمدت في معالجة المسألة التعليمية.
فمغرب اليوم ليس كمغرب الأمس، فكلنا معنيون بالتحديات الخارجية ولن تتحقق اللحمة الداخلية إلا بتعليم موحد و منصف و فعال، دون ذلك ستكون علاقاتنا التجارية و الاقتصادية مع الآخر غير متكافئة، بل تابعة و عاجزة.
لكل ما سبق، فإننا تهمس في أذن حكومة الليبراليين أن تأخذ بعين الاعتبار الاستثمار في التعليم وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى و ليس وفق تصور مرحلي و انتقالي، لأن هذه الانتقائية في الإصلاح تظهر بشكل جلي رهان الحكومات المتعاقبة على جعل المسألة التعليمية مرتكز الهيمنة الطبقية و السياسية و السيطرة الإيديولوجية و يبقى التعليم كما كان مقترنا بحقل الصراع ما بين من يرى يأن الأوضاع الراهنة في صالحه و بين من يريد تغييرها.