الصحافي و السياسي السوداني المقيم بألمانيا د. محمد بدوي مصطفى يتغنى بعاصمة الصحراء المغربية: مدينة العيون
كنت في شهر أغسطس في مدينة لاس بالماس، عروس الجزر الخالدات، وفي طريق العودة إلى سويسرا بالطائرة. جلست في المطار مع زوجتي وكانت صالة الانتظار التي جلسنا بها تجاور صالة انتظار المسافرين المتجهين إلى مدينة العيون. كان إحساسًا غريبًا يا سادتي: وكأن الباب قد أنفتح في التو، لأرى نساءً ورجالا حسبتهم من بلدي، كيف لا وقد رأيت الثوب السوداني، أو لنقل الصحراوي، أو اللفحة، ثم طريقة الكلام، طريق الزينة بالحناء والذهب وغيره، وكأنني أمام سيدات من عقر بلادي الجميلة، فقلت في نفسي، لابد لي ذات يوم أن أزور هذه المدينة، التي توحي بالعيون الكاحلة، والمنابع السائلة، لسلسبيل الحياة. فيا لها من عيون!
يعود ظهور النواة الأولى لهذه المدينة خلال مرحلة الاستعمار الإسباني للصحراء المغربية حيث تشير بعض المراجع التاريخية إلى ذلك. تأسست المدينة في عام 1928 وكانت تعتبر قاعدة عسكرية حيث نمت حولها، كما هي الحال، بعض مقومات التمدن. ومن بعد نشأت بعض المرافق والخدمات الأساسية لتلبية حاجيات السلطة الاستعمارية، خاصة أسر العسكريين الإسبان الذين يعملون بالمنطقة، ثم ازدادت أهمية المنطقة، في نهاية الأربعينات مع اكتشاف الجيولوجي الإسباني “مانويل أليامدنيا” وجود مناجم الفوسفات في منطقة بوكراع القريبة من العيون في سنة عام 1947
زار الجنرال فرانكو مدينة العيون في سنة1950 في شهر يناير من سنة1958 أصدرت الحكومة الإسبانية مرسوما صنّف الصحراء المغربية مقاطعة إسبانية عاصمتها الإدارية العيون. ويربط مؤرخون هجرة مجموعات من بدو الصحراء إلى مركز المدينة بعملية “إيكوفيون” العسكرية التي شنها التحالف الإسباني الفرنسي على جيش التحرير في الصحراء. وكان في المدينة قسم خاص بالمستعمرين من بني الإسبان وآخر يسكنه أهل البلد من الوطنيين.
وشيدت المدينة حديثا على ضفة وادي الساقية الحمراء في سنة 1973 في موقع يسمى “عيون المدلشي”، أي منبع المياه العذبة، وعلى بعد 25 كيلومترا من المحيط الأطلسي. وبعد خروج الاستعمار الإسباني وبسط السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية عرفت العيون توسعا حضريا كبيراً ونموا عمرانياً ملحوظاً جعلها مدينة حديثة، إذ يزخر اقتصادها بثروات معدنية ومنجمية مهمة، كما انتعشت فيها حركة السياحة الصحراوية مع بناء فنادق كبرى وأسواق للمنتوجات المحلية الصحراوية، فضلا عن السياحة البحرية على شاطئ “فم الوادي” بضاحية المدينة.
يجد زائر مدينة العيون لزائرها وجهين لعملة واحدة، وجه عصريّ لمدينة عصرية، ووجه آخر تقليديّ، ينطوي على حضارة حسانية صحراوية سامقة تعتز بتاريخها وموروثها البعيد. ونجد أشهر وأطول شوارعها يسمى شارع مكة، وهو يخترق المدينة من أولها إلى آخرها، حيث تصطف المقاهي العصرية، والمطاعم والمتاجر، والفنادق الكبرى، والأسواق، الخ.
وبعيدا، عن الرواية المتداولة، يشكك بعض الباحثين في تاريخ تأسيس المدينة، إذ أشار السيد عبد الوهاب سبويه، رئيس الجمعية الثقافية للمخطوطات وحفظ الذاكرة للصحراء المغربية، في ندوة نظمت بمناسبة الفيلم الوثائقي بالمدينة وتحمل عنوان “دور الأرشيف والمخطوطات في التدقيق التاريخي للفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني” أن تاريخا سابقا عن سنة 1928 وقد كشف عن وثائق تاريخية تتضمن اسم العيون، وقد وردت فيها أسماء شخصيات عديدة، استقرت بالمنطقة بشهادة قضاة تابعين للسلطات المركزية المغربية.
سحر العيون في مدينة العيون، اللهم جد لنا بزيارتها لنرى أهلنا وحضارة في الحسن حسانية وفي الكمال محيطية، تناجي الأطلس، جباله ومحيطه.