كانت حياتي في الاسكندرية مرهقة و مفعمة بضغوطات الدوام و العمل.
و كانت اجتماعات الشركة بالنسبة لي دوماً محطة تفكر ووقتاً للانتاج والعمل الهادف. فبينما يجلس الجميع مركزين على مناقشة القضايا المطروحة، أظل أنا معظم الوقت شارد الذهن، ويظل القلم في يدي يدون الأفكار التي تتقاطر عليّ كحبات المطر.
لم أفهم لماذا يشكو الكثيرون من ضيق الوقت أو انعدامه. فمن وجهة نظري، هناك في حياتنا اليومية فجوات من الفراغ لو استغلت بشكل جيد، لأعطت نتائج مذهلة. وهكذا، بعد حضور 30 اجتماعًا تافهًا، مدة كل منها ثلاث ساعات، وجدت نفسي قد كتبت مسودة روايتي العاشرة، “العشاء الأخير لحضرة المحترم”.
وكان مدير شركتنا كثير الكلام، لا تعرف متى يبدأ ومتى ينتهي، وكان أيضًا شديد النرفزة، متهورًا، نزقًا، عصبي المزاج ومتغيره. وكان من عادته تمطيط الاجتماعات بسبب وبلا سبب حتى أنك تخال نفسك حاضرًا لفيلم هندي من حقبة الثمانينيات. وكانت هذه الاجتماعات بالنسبة له فرصة لإبراز قدراته في الكلام المسترسل، وكانت بالنسبة لي فرصة عظيمة لتدوين الأفكار وترجمتها إلى سرديات تطول أو تقصر حسب أهدافي في الكتابة ومشاريع قصصي ورواياتي القادمة.
وكان زملائي في العمل يتململون من طول الاجتماعات، في حين كنت أستغل هذا الوقت الثمين في ملاحقة بنات أفكاري وتثبيتها على الورق.
وهكذا كتبت مسودة كاملة لروايتي الأخيرة خلال هذه الاجتماعات الطويلة، وكنت فخورًا بإنجازي. وتوقعت أن أحتاج إلى 11 يومًا فقط لتنقيح الرواية وتسليمها للمطبعة، وفعلاً هذا ما كان.
وهنا استحضرت أقوال الفلاسفة حول تدبير الوقت، ووجدت أنني قد ترجمتها دون أن أحس أو أتعمد، إلى فعل ملموس في عملي الروائي. ومن بين تلك الأقوال الملهمة أذكر ما يلي:
“الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك.” – ابن سينا
“الإنسان هو الوقت.” – مارتن هايدغر
“ليس لدينا وقت لنضيعه.” – توماس إديسون
“الوقت من ذهب.” – مثل شعبي
“الوقت هو الثروة الوحيدة التي لا يمكن تعويضها.” – بنجامين فرانكلين
“الوقت هو المعلم الكبير.” – كورت فونيجوت
“كل ما لدينا يحدد بما نفعله في الوقت المتاح.” – جي. آر. آر. تولكين
ولحسن الحظ، تمكنت من استغلال الوقت بشكل بديهي ولاواعي، وتبين لي أن إدارة الوقت بشكل فعال كانت بالنسبة لي مفتاح النجاح، ليس فقط في مولودي الجديد “العشاء الأخير لحضرة المحترم” ولكن في عدة روايات أخرى.
وبفضل هذه الفلسفة البسيطة في الإدارة الجيدة للوقت، تعلمت أن النجاح لا يأتي من الوقت المتاح لنا، بل من كيفية استغلالنا لهذا الوقت. وخير مثال على هذا طول ولا جدوى اجتماعات الشركة والتي كانت مملة لأغلب زملائي، أما بالنسبة لي فكانت مصدر إلهام كبير وإنتاج غزير يكاد لا ينقطع.
