عندما نتحدث عن المشاركة السياسية للشباب في المغرب، تتبادر إلى الأذهان صورة الشاب وهو واقف في طابور طويل أمام صندوق الاقتراع، وكأنه ينتظر دوره لشراء “حلوى الانتخابات”. لكن، الحقيقة المرة هي أن هذه المشاركة تبدو أقرب إلى حلقة من برنامج “مشيتي فيها”، حيث الشاب هو الضحية، والسياسيون هم من يتابعون ويضحكون.
فهل الشباب فعلاً يشاركون في الحياة السياسية أم أنهم مجرد ديكور يوضع أمام الكاميرات؟ هنا يكمن السؤال. في كل موسم انتخابي، يخرج السياسيون ويطلبون من الشباب أن يشاركوا، كأنهم يقولون “عافاكم صوّتوا علينا، نحن بحاجة لبركتكم”. لكن بمجرد انتهاء الانتخابات، يبقى الشاب وكأنه كان يطارد “وهم الحرية” في قاع كأس شاي، فلا يجد حتى الأثر.
الواقع المرير: ما بين الوعود والشعارات الفارغة
السياسيون عندنا دائماً يتحدثون عن خطط وبرامج لتمكين الشباب، ويطلقون شعارات رنانة مثل “الشباب هم المستقبل”. لكن الواقع؟ الشاب المغربي يشاهد هذه الوعود وكأنه يشاهد مسلسلاً درامياً بلا نهاية، يعرف مسبقاً أن النهاية لن تكون سعيدة. فالخطابات اللامعة والكلام المعسول يبقى حبراً على ورق، وفي الحياة اليومية لا يجد الشاب سوى البطالة والتهميش، وكأن مستقبله مربوط بأمل وهمي.
هذا الوضع دفع الكثير من الشباب للتساؤل: “هل المشاركة السياسية فعلاً تستحق العناء؟” ومع غياب أي تغيير حقيقي أو فرص ملموسة، يصبح الحديث عن المستقبل السياسي للشباب مجرد “حوار في القهاوي” بلا طائل. وبالتالي، عندما يسألون لماذا يهاجر الشباب جماعياً، فالجواب بسيط: لأنهم لا يرون أي ضوء في نهاية النفق هنا.
الهجرة الجماعية: من قوارب الموت إلى أوهام النجاة
الهجرة الجماعية باتت نتيجة حتمية لشعور الشباب باليأس. اليوم، الشاب المغربي يرى الحياة وكأنها أبواب موصدة، كلما حاول فتح باب جديد للأمل، يجده مغلقاً أمامه. وهنا تأتي فكرة الهجرة كحل أخير، وكأن البحر هو الذي سيفتح لهم أبواب حياة أفضل. الغريب أن الجميع يدرك المخاطر، ويرى قوارب الموت وهي تغرق على شاشات الأخبار، لكنهم يقولون: “ما بقا عندنا ما نخسرو”. بالنسبة لهم، المغامرة في البحر قد تكون أرحم من العيش في اليأس المستمر.
هل يمكن أن نلوم هؤلاء الشباب؟ ربما. ولكن لا يمكن أن نحاسبهم دون محاسبة الظروف التي دفعتهم لهذا الخيار. نرى شباباً في مقتبل العمر، مليئين بالطاقة والأحلام، يركبون تلك القوارب التي غالباً ما تكون رحلتهم الأخيرة. وعندما يُسألون عن سبب الهروب، يكون الجواب: “واش غادي نبقاو هنا نعيشو نفس الدوامة؟”.
ضعف الأحزاب السياسية: غياب الحلول وضرورة التغيير
الأحزاب السياسية في المغرب تشبه مسرحية قديمة، ففي كل مرة نشاهدها، نجد نفس السيناريو. في وقت يتمنى فيه الشاب أن يسمع شيئاً جديداً، يجد نفس الوجوه ونفس الوعود، وكأنهم يتبادلون النصوص من واحد للثاني. البرامج الانتخابية تبدو كـ”وصفة طاجين” بلا نكهة، حيث لا تُشبع رغبة الشباب، ومتى حانت الانتخابات، يبدأون بتوزيع الوعود كما لو كانوا يوزعون “الحلوى” في عيد الأضحى، ولكن بعد انتهاء العيد، يبقى فقط العظم.
الأحزاب يجب أن تفهم أن الشباب لم يعودوا يرونهم كـ”فرجة” فقط. عليهم أن يعملوا بجد على قضايا الشباب، وليس فقط “أجي صوّت علينا”، فبدون تغيير حقيقي، سيستمرون في الدوران في حلقة مفرغة. من الضروري أن يفتحوا المجال للشباب، ليعبروا عن آرائهم، ويكونوا جزءاً من القرار بدلاً من أن يبقوا متفرجين.
إذا كنا نريد تغيير الوضع، يجب أن يكون للأحزاب دور حقيقي وواقعي، وبدون ذلك، سيبقى الشباب يتحدثون عن “الهجرة” كأنها الحل السحري.
المشاكل السوسيولوجية: عوامل ضعف الوعي السياسي لدى الشباب
تعاني فئة الشباب في المغرب من مجموعة من المشاكل السوسيولوجية التي تساهم في ضعف وعيهم السياسي. في البداية، نجد أن غياب التعليم الجيد والتربية السياسية في المدارس يجعل الشباب يفتقرون إلى الأساسيات. التعليم، الذي يجب أن يكون وسيلة لتمكينهم من فهم قضاياهم، يتحول أحياناً إلى عبء، حيث يتم التركيز على الحفظ بدلاً من التفكير النقدي. كأنهم كيتعلمو غير “بلا فائدة”.
كما تلعب الظروف الاقتصادية دوراً كبيراً في إعاقة الوعي السياسي. الشاب المغربي يواجه تحديات كبيرة، مثل البطالة والفقر، مما يجعل تفكيره منصباً على كيفية تأمين لقمة العيش بدل الانخراط في القضايا السياسية. وكأنهم يعيشون في عالمين مختلفين: عالم “الخبز” وعالم السياسة البعيد عنهم.
ثم يأتي دور الثقافة الاجتماعية، حيث يُعتبر الحديث عن السياسة من المحرمات في كثير من الأسر، مما يساهم في ترسيخ ثقافة الصمت. وبالتالي، نجد أن الشباب يكبرون في بيئة تُهمل النقاشات السياسية، مما يعزز اللامبالاة تجاه القضايا العامة.
إذاً، هناك حلقات متشابكة من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تجعل الوعي السياسي لدى الشباب ضعيفاً. لتحقيق التغيير، يجب معالجة هذه المشاكل بشكل جذري، لأن الشباب هم مفتاح المستقبل، ولا يمكن أن يُتركوا في حالة من الفراغ السوسيولوجي.