العاشر من ديسمبر من كل سنة، هو في واقع الأمر اختيار من أجل تكريم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر يوم 10 ديسمبر 1948 حول الإعلان العالمي لحقوق الانسان ، الذي كان اول إعلان عالمي لحقوق الانسان بوثيقة مكونة من ديباجة و 30 مادة .وعندما تم اعتماده من أغلبية الدول الأعضاء آنذاك ، اعتبر المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي ان تبلغه كافة الشعوب والأمم.
وبعد صدور القرار 423 من قبل الجمعية العامة ، أصبح الاحتفال بيوم حقوق الإنسان رسميا في العام 1950 بعد ان تحفظت على الاعلان مجموعة من الدول نذكر منها : الجمهوريات السوفياتية ، وأوكرانيا ،وبولونيا، وتشيكوسلوفاكيا ، والمملكة العربية السعودية…..ويبقى السؤال مطروحا بشكل دائم ومتجدد ، لماذا الاحتفال بهذا اليوم العالمي ، وبشكل واسع ؟
ربما لكي يشكل نقطة انطلاق دائمة ومتجددة لإجراءات التوعية ، إذ نحن بحاجة إلى تجديد العقد الاجتماعي بين الحكومات وشعوبها، وداخل المجتمعات ، من أجل إعادة بناء الثقة ، وتبني رؤية مشتركة وشاملة لحقوق الإنسان عن طريق التنمية العادلة و المستدامة
لما كانت منظومة حقوق الانسان كلا لا يتجزأ ، فإن الضرورة المنهجية تقتضي منا النظر إلى كل حق على حدى، ونبدأ في هذه الورقة البحثية بالحق في السكن. لقد ورد في تصدير دستور 2011 ما يلي :// وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي ، فإن المملكة المغربية ،العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية ،تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها ،من مبادئ وحقوق وواجبات ، وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان ، كما هي متعارف عليها عالمياً //. كما ورد في الفصل 31 من هذه الوثيقة الدستورية مايلي : // تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ،على تعبئة كل الوسائل المتاحة ، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين ،على قدم المساواة من الحق في : السكن اللائق //.
إذن أصبح﴿ الحق في السكن ﴾ من الحقوق المحمية دستوريا ،مما يستوجب ضرورة وضع التدابير القانونية الرامية إلى التنمية والعدالة الاجتماعية من أجل ضمان حماية المواطنين وتحسين إطارهم المعيشي استجابة للصكوك الدولية التي التزمت بها المملكة.
للأسف ، الواقع يخالف ذلك ،فالسكن ينظر اليه في المغرب وفي غيره من الدول المماثلة ،على انه سلعة اي آلية للاستثمار وتكديس الثروات. ففي مقابل تراكم العائدات من الأسواق العقارية ، أمسى السكن في مدننا باهض الثمن تكتوي الطبقات الوسطى بلهيب اسعاره في حين تعجز الطبقة الهشة عن تحمل تكاليفه فتكون النتيجة مزيدا من الأحياء المزرية في حواشي المدن . هذا الفصل المكاني يحرم العديد من المقيمين من الوصول العادل إلى الخدمات العامة (( الصحة التعليم وفرص اخرى)) ويحول هذه الأحياء الى بؤر لكل ما يعيق التنمية البشرية المحلية .
رغم ان المغرب يتوفر على نصوص تنظيمية وتشريعية تنظم وتؤطر قطاع السكن، فإن الملاءمة للترسانة القانونية في هذا القطاع تسير بوتيرة مصادقة جد بطيئة مما يخلق عجزا متواصلا في الوحدات السكنية، ينجم عنه، طبعا، رفع الأسعار واغتناء فئة على حساب حقوق فئات واسعة من المواطنين.
ومع ذلك ، يجب أن نقر أن مجهود الدولة ، في مجال السكنى قائم من خلال تعبئة العقار العمومي ، وتخصيص المالية والوسائل التقنية والعملية التي تسهم في إنتاج الوحدات السكنية عبر برامج محددة تستهدف الأسر ذات الدخل المحدود غير أن القطاع ما يزال يعاني من عدة إشكالات من النجاعة والفاعلية المطلوبتين في هذا المجال ، نذكر منها :
ــ التمركز المفرط لكل الوسائل بين يدي الفاعل العمومي
ــ الاهتمام في الانجاز بالكم على حساب الجودة والخصوصيات الثقافية للساكنة
ــ التفاوتات بين الجهات
ــ غياب منظور شامل للتنمية ، لان هذا يتطلب تنسيقا حكوميا عبر سياسات مندمجة وليس وفق منظور قطاعي أوحد
ــ غياب الشفافية والعدالة والمساواة في المراحل الأخيرة من البرنامج السكني وخصوصا عند تسليم المفاتيح.
فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر ،العملية الكبرى التي قادتها ولاية الرباط ضمن برنامج مدن بدون صفيح في تمارة والصخيرات ، فإننا سجلنا الكثير من الحزم والصرامة أثناء عملية الهدم والإخلاء ،وبالموازاة معها سجلنا الكثير من الانضباط والامتثال من قبل الساكنة، رغم ان الكثير منهم ظلوا عرضة للشارع في الشهر الفضيل ، ورغم أن الكثير منهم وجدوا أنفسهم أمام بعبع إسمه وجيبة الكراء لفترة زمنية مجهولة الحدود . كان بودنا ان نرى نفس الحزم والصرامة في عملية توزيع الشقق على أصحابها ، وهنا نقطة ضعف البرنامج ، فدور أعوان السلطة من مقدمين وشيوخ جد حاسم لهذا يجب على الولاية ان تضع خطة واضحة ومعلنة تروم المراقبة والتتبع حتى تحقق عملية مدن صفيح الاهداف المسطرة لها.
أعود فأقول أن على ولاية الرباط وغيرها من الولايات عبر التراب الوطني ان تعي أن المغرب كما جاء في تصدير الدستور ((العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية)) هو منخرط وبقوة في الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صادقت عليه الجمعية العامة سنة 1966، وانضم اليه المغرب سنة 1978، تقول المادة 1
1منه // تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولاسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى//.
كما أن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 4 قدمت للدول ارشادات مفصلة بشأن التزاماتها باحترام الحق في السكن وحمايته والوفاء به . ونحن في الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الانسان ننظر إلى الأشخاص ـ الذين أخلوامن مساكنهم ولم يعوضوا لحد الآن ـ على انهم في حالة تشريد تحت طائلة الاخلاء القسري. وللإشارة كذلك فإن اللجنة المشار إليها آنفا في تعليقها العام رقم 7 تؤكد أنه لا يمكن تبرير عمليات الإخلاء القسري إلا في ظروف استثنائية وفقا لمبادئ القانون الدولي ذات الصلة ، مثل المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الإخلاء والتشريد بدافع التنمية (حالة ولاية الرباط) ينبغي للدول ان تكفل ـ من جملة امورـ الضمانات القانونية التي تحظر التمييز والتعسف ، وتعزز الإجراءات القانونية الواجبة والانصاف الاجرائي، بما فيها التشاور والمشاركة مع المنتخب المحلي والجمعيات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني في صناعة القرار للوصول الى سبل الانتصاف وتوفير مأوى بديل لائق.
وقبل ختم هذه الورقة ،لابد من التذكير بالجهات المعنية لمجال السكن :
ـ المفوضية السامية في مجال السكن
ـ لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
ـ مجلس حقوق الانسان
ـ المقرر الخاص المعني بالحق في السكن اللائق
ـ المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمشردين داخليا
ـ المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الانسان
لكن تظل المفوضية السامية في مجال السكن هي من يوفر المبادئ التوجيهية لوكالات الأمم المتحدة والدول والسلطات والوكالات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية بشأن احترام وضمان احترام التزاماتهم بموجب القانون الدولي بما فيه قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني فيما يتعلق بالحق في السكن اللائق.
ونود ان نشير في نهاية هذه الورقة أن صحيفة الوقائع (رقم25 التنقيح 1) الخاصة بالإخلاء القسري هي من ينظر في الالتزامات المحددة الواقعة على عاتق الدول سواها من الكيانات ،وفي كيفية المحاسبة وفي سبل الانصاف في حال وقوع انتهاكات للحقوق والالتزامات.
خلاصة القول، وعودة على بدء
إن المغرب يقر بأن السكن اللائق حق دستوري ، ولكنه يبقى سلعة إلى حين صدور قانون ينظم هذا الحق.