يدخل القانون الجديد المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ ابتداء من الجمعة 22 غشت 2025، وسط ترحيب رسمي واسع به باعتباره ورشًا إصلاحيًا كبيرًا في السياسة الجنائية للمغرب. غير أن الانتقادات بدأت تتوالى منذ اليوم الأول، أبرزها ما صدر عن وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد، الذي اعتبر أن بعض مقتضيات النص الجديد قد تُفرغه من مضمونه إذا لم يُحسن تطبيقه، محذرًا من أن يتحول إلى وسيلة “للتهرب من العقاب”.
بين فلسفة الردع والنجاعة الاجتماعية
يرى الرميد أن الفلسفة الأصلية للعقوبات البديلة تقوم على تحقيق الردع الاجتماعي، عبر عقوبات مالية أو بدائل عملية، بدل الزج بآلاف الأشخاص في السجون في قضايا لا تشكل خطورة كبرى. وضرب مثالًا بجرائم الإشادة بالأفعال الإرهابية التي قد لا تتجاوز مجرد تهور لفظي، حيث يمكن – في رأيه – أن تكون العقوبات البديلة، مثل التوعية أو العمل للمصلحة العامة، أنجع من الحبس.
كما دعا إلى التفكير في تعويض عقوبات السجن في بعض جرائم الغدر والتبديد والاختلاس، حين تكون مبالغها زهيدة، بغرامات مالية ثقيلة تشكل رادعًا حقيقيًا، مستعرضًا حسابات تبين أن الغرامات اليومية قد تصل إلى مئات الآلاف من الدراهم، وهو ما يعزز العقوبة بدل أن يفرغها من مضمونها.
المخدرات… الخطر الأكبر
النقطة الأكثر إثارة للجدل في مقال الرميد تمثلت في إخضاع جرائم الاتجار في المخدرات للعقوبات البديلة، مع استثناء الاتجار الدولي فقط. الوزير الأسبق لم يُخف قلقه، واعتبر أن الأمر خطأ تشريعي جسيم، لأن الاتجار في المخدرات – مثله مثل المؤثرات العقلية – يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن المجتمع وصحة الأفراد، وبالتالي كان من المفروض استثناؤه بشكل واضح وصريح من نطاق البدائل.
وإذا كانت السجون تعج فعلًا بآلاف المستهلكين، فإن إخضاع الاستهلاك نفسه للعقوبات البديلة قد يبدو منطقيًا لتخفيف الاكتظاظ، غير أن فتح الباب أمام تجار المخدرات للاستفادة من هذا النظام “سيقوض” – بحسب الرميد – الغاية الردعية للقانون.
تحديات التطبيق… ومخاطر التواطؤ
رمى الرميد بثقله في الجانب العملي للتنفيذ، معتبرًا أن جودة النصوص القانونية “تتبخر” إذا لم تجد قضاة وموارد بشرية نزيهة ومؤهلة. وحذر من أن عقوبة العمل للمنفعة العامة قد تتحول، بفعل البيروقراطية أو التواطؤ، إلى مجرد محاضر شكلية، مما يعيد إنتاج سيناريو “القانون على الورق فقط”.
كما نبه إلى أن النيابة العامة مطالبة بالتعامل بصرامة مع الطعون، لأن أي استئناف لقرار بعقوبة بديلة يعني عمليًا تأجيل التنفيذ، وهو ما يتنافى مع الطبيعة الفورية المرجوة منها.
إصلاح ناقص وسياق سياسي
يخلص الرميد إلى أن القانون، رغم أهميته، يثير إشكالات عميقة، خصوصًا مع استمرار غياب إصلاح شامل للقانون الجنائي، بعد أن تم سحب مشروع تعديله وتتميمه من قبل الحكومة الحالية. وهو ما اعتبره الوزير الأسبق “خطوة للوراء” تعطل مسار تحديث المنظومة الجنائية.
ما يثير الانتباه في مداخلة الرميد هو أنه، وهو أحد مهندسي السياسة الجنائية بالمغرب خلال العقد الماضي، يعترف ضمنيًا بوجود ثغرات قد تجعل القانون الجديد رهين “حسن النية” وصرامة الأجهزة المنفذة. وبينما يفتح النص بابًا نحو تقليص السجن في جرائم غير خطيرة، فإنه يترك ثغرات مقلقة في جرائم منظمة كالمخدرات، ما يجعل التساؤل مشروعًا: هل نحن أمام إصلاح متوازن يحقق العدالة ويحمي المجتمع، أم مجرد تدبير شكلي لتخفيف الاكتظاظ السجني؟















