مالك يا صاح تبدو تعيسا، ألا تزال في عنفوان شبابك ؟، تبدو كرجل شاخ قبل أوانه، ورسم البؤس على وجهه تعابير الموت والألم، ألا تكف كوابيس المستقبل عن ملاحقتك؟ حسنا إليك مني العلاج. الأمر بسيط، عند مساس الحاجة ومشيئة التناسي، أصغي لبعض من موسيقانا. هل شعرت بشيء، نعم هذا هو المراد. ينقصك شيء واحد فقط، انها سماعات الأذن من اجل راحة أكبر. إنها حقا مكافأة مميزة أليس كذلك..
مع مر الأيام، الشهور، والسنون، قصص وأحاديث مأثورة تعج بالنهايات الحزينة، أبطالها شباب، راحوا ضحية العوز والفساد الاجتماعي، بعضهم مات موتة حقيقية أثناء محاولات انتحارية كانت قصدا أو بدون، ركوب قوارب الموت، أو حتى الانسياق مع تيار الجريمة … وبعضهم مات نصف موتة عضدت من مشكلاته النفسية والاجتماعية، تراجيديا لا خاتمة لها، كانت بسبب أو بآخر لا بد منها.
“أجمل اللحظات في حياة الإنسان هي التي مر منها في سن الشباب”
لا شك، في أن الحديث عن فترة الفتوة، أي المسلك المبتغى اتباعه لتنمية خلق الشجاعة والنجدة عند كل شاب، يفرض علينا حتمية التطرق لبعض الحقائق الفردانية، بمعنى الشاب ككيان تنبع من أعماق نفسه تساؤلات قد تبرأ خاطره وتشفي غليله، لكن عوضا عما بغى من ردود، يجد نفسه يتبع سبلا بلا وجهة. فكان نصيبه من القمع والاضطهاد أكبر من نصيبه من الحياة.
إنها الإشكالية الأساس التي تضمنت التباسا متعدد الأضرب، جعلته بحاجة ماسة الى التفكير والتأمل من اجل إيجاد الحلول المناسبة، ومن هنا ولدت موسيقى الراب الشبابية، من رحم المعاناة والألآم اللامتناهية، محترفوها شباب يطلقون على أنفسهم اسم: les rappeurs، أوضاعهم لا تختلف مضامينها عما تتفجر به أنغام موسيقاهم، إلا أنهم يأمنون بأن الموت يدفع الانسان ليكون أكثر تيقظا للحياة كما يقول باولو كويلو.
بجرأة نادرة وإقدام صريح، نرى مصل التمرد يجري بين الكلمات والمقامات، فينسلخ الواقع من خلاله كما ينكشط الجلد عن الأفعى، لا يفرقون بين الواقع والحقيقة لأن القصد واحد، والمعضلة بينة: الشروع في عمليات القضاء على الاضطهاد ومحوه من الوجود، الوقوف في وجه ظلم المجتمع السلطوي، وقف البكاء واعلان الاحتجاج..
• شذرات عن نشأة فن الراب وتطوره بالمغرب:
من المعروف، أن أمريكا هي الموطن الأصل لموسيقى الراب في العالم بأسره، ففي زمن الثمانينات والتسعينات ازدادت شهرة هذا النمط الموسيقي، الذي ينتسب الى الأمريكيين السود على وجه التدقيق، فلا جرم في أن ما عايشته هذه الفئة بالذات من عبودية وميز عنصري لا تزال أثاره باقية، هو ما دفعها للجوء الى موسيقى المهمات الصعبة التي تدخل ضمن ثقافة ” الهيب هوب “، من اجل الدفاع عن حقوق و مميزات شملت زمنها العنصر الأبيض المقدس فحسب ، وهكذا عبرت عن رفضها و تمردها المتين في وجه الاستبداد، الى ان انتقلت العدوى لباقي شعوب زوايا العالم الفاسدة، جراء ما يجول القلوب من ضيق و تصبر لأوضاع معيشية و اجتماعية لم تعد تحتمل هكذا صار الداء الذي لا طب له و لا برء منه قابلا للعلاج عبر موسيقى الراب .
1. الموسيقى التي تقول ما لا يمكن قوله:
برز فن الراب الموسيقي بالمغرب في أواسط التسعينيات، لكنه لم يشهد أي اقبال أ وانتشار مرتقب، الى حين فترة ظهور الانترنت مع الألفية الجديدة ومع بدايات عام 2003، اعتبر الراب في المغرب واحدا من أهم عناصر الثقافة المغربية المعاصرة.
في عام 2010، شقت موسيقى الراب طريقها نحو التطور، خصوصا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فبعدما كانت تتغنى بألحان ” حربية”، هدفها كشف الأقنعة المزيفة للمجتمع، صارت تنفتح أكثر على مزيد من التيم التي تهم الشباب بصفة خاصة، تشاركهم اهتماماتهم وألآمهم، وتداوي جروحهم ببعض من الألحان التي تمس العقل قبل الروح، ومن التطورات الأخرى نجد بأن العنصر النسوي قد نجح في اتخاذ مكانة مهمة في هذا النوع من الموسيقى الذي يتفرد به الذكور أكثر من غيرهم. ومع توالي السنين ظهر ما يسمى ب ” الكلاش ” وهو حلقة أخذ ورد، يتبارى فيها مغنوا الراب من اجل الحسم بين الفائز والخاسر، هكذا توسعت رقعة فن الراب الذي ما يزيد يلقى انتشارا جماهيريا واسعا، حتى اعتبر صوت الشعب الأول.
تلت عام 2011، فترة من التقلبات التي شهدها المغرب، جراء أحداث الربيع العربي، بحيث عرف المناخ السياسي والاجتماعي بالمغرب نوعا من الاستقرار بعد تغيير الدستور وتلبية مطالب حركة 20 فبراير، لكن بالنسبة لرواد موسيقى الراب، ليس هناك أي تحولات قد يعترف بها، وعود كاذبة جديدة تحل محل أخرى لها من القدم ما لا يمكن تصوره، ما جعلهم يعلنون الحصار على الخناق الاجتماعي الذي أبى الاضمحلال وعمق من مأسي الطبقات المسحوقة. ويعتبر معاذ بلغوات، الملقب ” بالحاقد” واحدا من المتأثرين بالقضية، ومن أهم الأصوات التي عبرت عن ارتسامات ثورة 20 فبراير المقموعة، ما جعله يتردد على دخول السجن مرات عديدة بسبب أعماله الصارخة بالحق والعدالة، كما وقع مع أغنية ” إذا الشعب يوما أراد الحياة ” و ” أغنية كلاب الدولة”. (حقا انها الموسيقى التي تقول مالا يمكن قوله)..
2.. أغنية الجليد والنار:
بين الجليد والنار تتدحرج مضامين أغاني الراب، فتارة نجدها تستعين بأقانيم مدروسة، يغلب عليها الطابع الهادف ذو المعنى المباشر، من خلال الاستعانة بلغة صافية من الكلمات ” البذيئة”، وتعويضها بأخرى تناسب حتى الجمهور الناشئ، لغة بسيطة يمكنها ان تخطر على بالك، إيقاع هادئ ومتجمد بين الفينة والأخرى، خدمة للدفقة الشعورية التي تنبع عن المغني. من هنا تتجسد أولى التيم التي يتوخى فن الراب عرضها على الجمهور وهي تيمة الحياة وما تحمله في جوفها من تجارب ومغامرات.
لكن في أحيان أخرى قد يتحول العمل الموسيقي، الى فوضى عارمة تعج بالمصطلحات والكلمات البذيئة، وتتميز بإيقاع سريع وحيوي يجسم نمط الحياة الحديث والمتهور حاليا، في عصر السرعة والتناقضات المستمرة. طلقات نارية ترسم ذلك الانقلاب الجذري الذي عرفه الراب بعد بروز تيمتان أساسيتان الى جانب تيمة الحياة، هما : تيمة” الكلاش”، أو ما يعرف بالقصف، بمعنى التنافس بين مغني الراب أنفسهم، ثم تيمة التعرية و الاحتجاج و هي الميزة التي لا يمكن أن يخلو منها هذا الفن.
و بين الجليد و النار، برز لون جديد يميل الى التقليدانية بصفة كبيرة، يتقفى أثر التاريخ و الفكر ، من اجل تقوية العمل الموسيقي بالمزيد من الأدلة و المصادر، خصوصا اذا ما تعلق الأمر بالقضايا التي تمس الوطنية أو الانتماء. انه الراب التقليدي الأصيل.
3. ميكروفون التحرر:
تدل كلمة الراب بشكل أو بآخر على الحرية ونفض اليد من كل قيد أو التزام، من خلاله تُصَيَرُ عملية صياغة الكلمات واختيار الجرس الموسيقي الملائم بيسر وسهولة، وهذا يتبدى بشكل واضح من خلال نوعية اللغة المتداولة، والتي يتحرر من خلالها كاتب الكلمات من سلسل الوزن والقافية، ضف الى ذلك ان صاحب هذا الميكروفون يصبح من القلة الذين حطموا أسطورة الحكم المسبق، بعدما تفوق عن جدارة واستحقاق من تجاوز كل ما يستهلك من مواضيع بائخة، وتافهة غايتها التشكي والتذمر.
و تعتبر فرقة ” آش كاين”، الى جانب توفيق حازب الملقب ب ” البيغ “، و آخرون، أحد أهم الأصوات البواكير التي طرحت لفيفا من القضايا على بساط المعالجة، كلها مواضيع تدور حول فلك المجتمع بالدرجة الأولى ، كالميز الطبقي، الفساد الأخلاقي، مشكل البطالة ،و الفقر … بلغة مسنونة ، جريئة، صَيَرتْ من موسيقاهم نموذجا، يتم السير على منواله، وقت التظاهرات و الاحتجاجات ضد مسميات ” الحكرة” ، و الضرارة…
4. عن ألف هدف وهدف:
صحيح أن الراب “فوضى” ،لكنه كالبلبلة الصيقة بمبادئ التنظيم و الجمال، و التي تبقي أثر الأحلام و الألام مترددا بين شريان الأمل و اليأس ، فتبدع بذلك أبدع المعزوفات و الأنغام، التي تفصح عن مايخالج الأنفس من عواطف . و اذا كان الشعر ديوان العرب ، فان الراب لسان الشباب الأول، بغض النظر عن الانتقادات و كل ما يعاب هذا الفن ، جراء ما يلزمه من قواعد أهمها اللغة التي تأبى الكسوف عن وجه الحق و العدالة، وتتبنى مبادئ حرية الرأي و التعبير باعتبارها حقا يشمل جميع افراد المجتمع ، خطوط هناك من يراها حمراء وجب رفضها ، وهناك من يلمحها بيضاء ناصعة ،تبوح بصوت مرتفع بقيم إنسانية ، كالحب و الرجولة و رضى الوالدين..، و تفصح بأسمى التعابير عن مكنونات الذات الإنسانية، الشعب المقهور، و الفقراء المضطهدون .
5. الجريمة والعقاب:
يقول دوستويفسكي في كتابه الشهير: الجريمة و العقاب :” أيها السيد الكريم، ليس الفقر رذيلة و لا الإدمان على السكر فضيلة، و انا اعرف ذلك ايضا ، و لكن البؤس رذيلة أيها السيد الكريم، البؤس رذيلة، يستطيع المرء في الفقر أن يظل محافظا على نبل عواطفه الفطرية، أما في البؤس فلا يستطيع ذلك يوما“
في ظل بؤس شديد و غياب لحرية التعبير، طيلة الثلاثين السنة الماضية ، نشأت فنون الراب، الهادفة الى تشجيع الشباب المغربي في التعبير عن قضيته . ففي الموسيقى تتجسد صور الجريمة في اشكال الرفض وعدم الالتزام، وهي على التوالي : أولا التعبير عن الرفض السياسي ، وقد نمى هذا الفعل مع عدد من الفرق الموسيقية المتأثرة بالثقافة الأمريكية الرائدة في هذا المجال، بفعل التطور التكنولوجي فترة منصف التسعينات من القرن العشرين، ثانيا التعبير عن السخط السياسي و الذي ينطلق من خلال الايمان التام بان أغاني الراب صياغة ذات نبرة و دلالة عن روح تمرد الشباب ضد الأوضاع السياسية ، ثالتا الانتقاد القاسي لمؤسسات النظام بما في ذلك المؤسسة المالكة .
عرفنا الجريمة ، فماهو العقاب اذا ؟
العقاب يتحقق بالأساس من خلال فعل الجريمة وبالتالي قد تكون العقوية اما سجنية او غرامة مالية حسب جسامة ما تم اقترافه، من تعصب أو تحريض على التمرد أو المخدرات الخ…
لكن عند دراستنا لهذا المناخ السياسي المعاب ذاته، نجده غير رسمي بتاتا، من ناحية التعبير، كما انه بعيد كل البعد عن قنوات التواصل المؤسساتية بين كل من الدولة و المجتمع، بسبب ضعف مؤسسات الوساطة بين الأحزاب و الجمعيات في تلبية مطالب المواطنين، وهذا ماجرى بالفعل في حركتي 20 فبراير وحراك الريف.
. • نبذة عن حاضر الراب المغربي:
1. عادل بعد أخذ ورد:
بعدما أعلنت الجزائر من خلال وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، في 24 أغسطس، عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ، بحجة “الاعمال العدائية” للمملكة ضد الجزائر منذ استقلالها الى حدود اتهامها بالتجسس على مسؤولين جزائريين من خلال الاستعانة ببرنامج بيغاسوس، تحول الخلاف بعدها بأيام قلال الى حرب راب، ناشئة بين فنانين مغاربة و أخرين جزائرين ، حرب لا تزال مستمرة الى يومنا هذا ، اعتمدت لغة شارع مسيئة للفريقين معا ، و محاولات لضرب تاريخ و ثقافة و حاضر البلدين المتجاورين ، وقد شارك في هذه المعركة الموسيقية المغني ” حليوة ” ضد الجزائري ديدين كانون 16 ، الذي أعلن مؤخرا عن انتهاء صلاحيته في المشاركة، و ساهم أيضا الحائز على الوسام الملكي ” دون بيغ” بمقطع قصير لا يتجاوز الدقيقة ، دقيقة كانت كافية لصب موجة غضب عنيفة ، انتهت باعلانه تحديا ضد منافسيه من الجزائر بمبلغ 2 مليون دينار اذا ما تم ” قصفه” بالمعنى الصريح للكلمة .
وفي الجانب الجزائري، انخرط في الحملة تراب كينغ بفيديو كليب معنون بالملك السابع ، و بلغة بذيئة أهان فيه رموز المملكة و الشعب المغربي، و من جانبه نشر جواد أسرادي الملقب ب “بوز فلو ” مقطعا غنائيا تضمن انتقادا للطرفين معا ، بعد اعلان هدنة و مصالحة بين المغربي الملقب ب “الذئب” و الجزائري ” يوبي” ، معتبرا ان هذه المعركة الكلامية لا تعبر في الأصل عن اية وطنية بل فقط تجسيد للبروباغندا، اما مؤخرا فقد ساهمت”6 وين” و هي أولى الفتيات المغربيات الائي انخرطن في المعركة ، بأغنية موسيقية لم تخلو هي الأخرى من علامات القصف و الرد العنيف، و آخرون كثر…
في جانب آخر عبر عدد من الفنانين عن رفضهم المساهمة في الحرب الكلامية كمسلم و ال كراندي طوطو من المغرب الى جانب روفا ورياض بورباز من الجزائر
2. ثاني أوكسيد الوطنية:
تحولت حرب الكلاشات الى واجب وطني تباح فيه كل الجمل و الكلمات لغرض واحد هو مساعدة الجمهور على الإعلان عن المنتصر و المهزوم في النهاية ، وذلك وسط دعوات مستمرة من مغاربة و جزائريين كثر الى ضرورة تجاوز كل ما يجري من توتر بين البلدين ، و الاهتمام فقط بالجانب الموسيقي . وهذا ما تحقق فعلا ، بعد اعلان عدد من محاولات الصلح لكن ” الكلاش ” لم يتوقف لحدود الآن .
3. ما يعتقده الشباب:
في استطلاع للرأي قامت به جريدة لوبوكلاج الالكترونية، تم التوصل لمجموعة من الاراء المختلفة ، حسب معيار العمر و الذوق الموسيقي ، فهاهو ذا خليل الناصري 25 سنة من مدينة القنيطرة يقول :
” كلما ضرني خاطري ، كانسمع الراب ، حيت فيه شي كلمات ناضيين كقيسو ” .
اما عبد الصمد من مراكش 18 عاما يقول: ” في الراب أفضل سماع الكلاشات خصوصا الدون بيغ ، في نظري لا يستطيع أي ‘رابور’ أخر مجاراته .
اما عادل من آسفي 30 عاما فيقول ان: ” الراب تخربييق ، لا علاقة له بالموسيقى ، يجب ان نميز الموسيقى عن اللاموسيقى، فلاشكال الموسيقية الحقيقية خصوصياتها وتلاقحاتها ، لذا وجب التمييز بين النغم و الضجيج “
اما عبد الجليل فيقول ان :” الراب مجرد صداع و غوات و تخسار الهضرة ، صحيح انهم براهش … ولكن بثقافة وشجاعة قدروا يقولو داكشي لي انا كنحلم نقولوا شي يوم”