…إن حضور مركزيات نقابية جولات الحوار بين صندوق النقد الدولي والحكومة المغربية يطرح أكثر من علامات استفهام، فهل هو إعلان فاضح عن موت النقابة؟ ألا يبرر هذا الواقع بروز التنسيقيات القطاعية، ويجعل من الشارع حلبة صراع بين الدولة والمجتمع دون وسائط؟
هل تراجع الحزب والنقابة عن أدوارهما التي وجدا من أجلها يفسر انفراط عقد الطبقة الوسطى؟ أليست الطبقة الوسطى هي السوق الداخلية للدولة و المجتمع على حد سواء؟ أليس انهيار السوق هو إعلان كساد مرتاديه؟ هل السعي إلى إبادة الطبقة الوسطى، هو حنين لعهد الفيودالية القائم على ثنائية: النبلاء والأقنان (العبيد)؟ هل سنصبح عبيدا في أرض سالت عليها دماء أجدادنا؟
الدولة كمفهوم عام وضمانا لاستقرارها تعمل على خلق الطبقة الوسطى وتجتهد في توسيع قاعدتها وتنويع أنشطة المنتسبين إليها.
كما تعمل الدولة على تحسين جودة خدمات التعليم والصحة والسكن من خلال تحفيزات إدارية ومشاريع اقتصادية ذات صبغة اجتماعية سعيا وراء تحسين مقدرات الطبقة الوسطى.
لقد علمنا درس السوسيولوجيا أن قوة الدولة هي من صلابة الطبقة الوسطى التي توفر لخزينة الدولة حصيلة ضريبية تجنبها آفة الاقتراض من الخارج.
لكننا في المغرب بعيدون للأسف عن هذه العلاقة بين الدولة والطبقة الوسطى منذ عقود من الزمن.
بل الأنكى من ذلك هو الاستمرار في سن تشريعات ضريبية مضرة بمصالح المنتسبين لهذه الطبقة. لعل آخرها المشروع الذي تقدم به وزير العدل دون أدنى استشارة مع الإطارات التي تسهر على تدبير شؤون قطاع المحاماة.
مشروع قانون أثار لغطا كبيرا ومازال نظرا للآثار السلبية التي سيحدثها في عملية التقاضي وفي الولوج إلى العدالة بشكل عام، علما أن من يلجأ إلى المحاكم في الغالب الأعم هم أفراد الطبقة الوسطى وما دونها، أما الطبقات الأعلى فمشاكلها تحل عادة بعيدا عن المحاكم أو على حد تعبير وزير العدل الأستاذ وهبي تحل ” من تحتها “.
فهذه الثنائية في التعامل مع قضايا المواطنين تسهم في خلق شرخ داخل المجتمع يصعب على الدولة مستقبلا رتقه.
إن قوة الدول لا تقاس بخطاباتها السياسية مهما بلغت درجة تماسك ديباجاتها، وإنما تقاس هذه القوة بوضعها المالي ونظامها الضريبي.
كلنا يتذكر المناظرة الوطنية حول النظام الضريبي قبيل الجائحة سنة 2019، والتي انتهت أشغالها بإصدار 167 توصية. الغريب هنا، أن الحكومة الحالية ومن خلال مشروع قانونها المالي، انتقت عشر توصيات فقط، تلك التي تستجيب لتطلعات الطبقة الاجتماعية التي بوأتها زمام السلطة والحكم.
إننا أمام صراع طبقي مجحف يستعمل فيه القانون وسيلة لحسم الإجتياح والانفراد بمقدرات الوطن التي هي أصلا ملك للجميع. وإذا اتسم القانون بصفة الانحياز فإنه يفقد دستوريته ووجب بالتالي الاحتجاج عليه من داخل المؤسسات الدستورية أو أمام بواباتها لإسقاطه انسجاما مع منطوق الفصل 29 من الدستور.
(يتبع)