الخبير الحقوقي عبدالرزاق بوغنبور ل ” لوبوكلاج” : وضع الحركة الحقوقية بالمغرب ليس بخير و الحرمان من الوصل المؤقت و النهائي يهدد الحق في التنظيم
لوبوكلاج / الرباط
- ملامح الوضع الحقوقي بالمغرب
في البداية، أسجل مجموعة من الملاحظات المرتبطة ببعض القرارات التنظيمية التي يبدو لي أنها كانت خارج الشرعية القانونية ، لاسيما في زمن كورونا فهناك قرارات استفردت بها الحكومة وأخطرها قرار تعليق العمل بمحاكم المملكة الصادر بتاريخ 16 مارس 2020 من قبل وزارة العدل بتنسيق مع السلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، فما هو الأساس القانوني والدستوري الذي اعتمدوه لتعطيل العمل بالمحاكم مفوتين بذلك على المواطنين الحق في قضاء مصالحهم والفصل في نزاعاتهم، بل حرموا عشرات الآلاف المشتغلين بمهنة المحاماة وباقي المهن الحرة المرتبطة بمنظومة العدالة من مزاولة عملهم الذي يعتبر مصدر عيشهم الوحيد لمدة تجاوزت ثلاثة أشهر دون تدخل من قبل الدولة لمعالجة التداعيات، علما أن مرسوم بقانون سن حالة الطوارئ الصحية لم يصدر ويدخل حيز التنفيذ إلا بعد نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020 مما يكون معه قرار تعليق العمل بالمحاكم قرار تعسفي ولا يستند إلى الشرعية الدستورية والمشروعية القانونية .
وغير بعيد عن منظومة العدالة يجعلنا نطرح سؤال ” الشرعية القانونية ” على قرار المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج القاضي بالمنع المؤقت لإخراج المعتقلين إلى المحاكم لمثولهم أمام القضاء وإلى المستشفيات للعلاج حسب ما جاء في بلاغها الصادر بتاريخ 25 أبريل 2020، علما أن هذا القرار لا يدخل ضمن اختصاصها بل من اختصاص السلطة القضائية التي يفترض أن تكون طرفا أصيلا في القرار، تم على أي أساس قانوني يعرض المعتقل على القضاء عن بعد لمحاكمته ، دون مثوله حرا طليقا بدون أغلال ولا أصفاد ، تحقيقا لتوافر ضمانات المحاكمة العادلة ، التي من شروطها الحضورية والتواجهية، بل واتخذت قرارا جديدا يقضي بعدم نقل المتابعين في حالة اعتقال من السجون الى المحاكم الا بعد انتهاء الحجر الصحي .
في زمن كورونا استمر في نفس الوقت استخدام أساليب القمع باللجوء الى أساليب جديدة ، كالهجوم على سمعة النشطاء والتشهير بهم في منابر إعلامية ، تنتهك بشكل مستمر أخلاقيات مهنة الصحافة، منابر تتوفر على إمكانيات كبيرة، ولها القدرة على التوصل بمعلومات وملفات ووثائق شخصية تتوفر لدى الأجهزة الأمنية. والهدف هو الإساءة والانتقام وتشويه السمعة واستعداء المجتمع وتأليب الرأي العام ضد النشطاء والمنتقدين.
ما ميز السنوات الثلاث الاخيرة هو انتهاك الحق في المحاكمة العادلة للعديد من المعتقلين الذين اعتقلوا بسبب نشاطهم أو مواقفهم أو فقط بسبب تعليقات بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي. لقد بات القضاء كجهاز يستعمل لتصفية الحسابات السياسية مع النشطاء والمعارضين.
( جمعيات حقوقية تراجعت إلى الخلف و تماهت مع الأطروحة الرسمية )
صدقني اذا قلت لك أن وضع الحركة الحقوقية بالمغرب ليس بخير باستثناء جمعيات حقوقية تعد على رؤوس الاصابع معظم المنظمات الحقوقية استكانت وتقوقعت على نفسها ، لان في مثل هذه الحالات الدولة تقوم بعملية ضغط من منطلق أن الوضع الوبائي الصعب الذي يجتازه بلدنا يقتضي ” الاجماع الوطني” وبالتالي على الجميع الانخراط في هذا الاجماع وبالتالي فهناك جمعيات حقوقية تراجعت الى الخلف وخفت عملها ، واخرى اختارت عن طواعية الانخراط في استراتيجية الدولة المتعلقة بتدبير جائحة كورونا ، بل وفي حالات كثيرة اصدرت بيانات ومواقف تدعم السلطة حتى في الحالات التي تخرق فيها القانون ، بل هناك من اعتبر اعتداء الاعوان المكلفين بإنفاذ القانون أسلوب مشروع الان في ظل هذه الظرفية ، لكن بالمقابل كانت منظمات حقوقية متميزة في عملها من خلال اعتبار حالة الطوارئ والحجر الصحي لا يبرر ممارسات السلطة المتميزة بالشطط في حق المواطنات والمواطنين
اعتقد أن الممارسة الحقوقية في المغرب اثناء زمن كورونا كوفيد19 أثبت ضعف جل المنظمات الحقوقية في معالجة الاشكاليات المطروحة ، وأن الوضع بعد زمن كورونا يقتضي من الحركة الحقوقية اعادة النظر في ممارستها وآليات عملها ، لأن التقليدانية في عملها جعلها الان ضعيفة أمام مؤسسات الدولة والمواطنات والمواطنين الذين كانوا دائما يعتبرونها سندا ودعما لهم ، ونفس الامر يسري كذلك على الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية : فكما جرت العادة خلال الأزمات السياسية، عمل النظام على حجب عمل الحكومة والأحزاب السياسية التي انزوت إلى الخلف واكتفت بالمراقبة ومباركة التدابير المتخذة، ، في حين تحول رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى شبه مرؤوس تحت سلطة وزير الداخلية، إذ يكتفي بنشر بلاغات هذا الأخير على صفحته الرسمية على فيسبوك وإعطاء بعض التصريحات التي غالباً ما تنال تهكماً واسعاً على الشبكات الاجتماعية.
أما على مستوى حرية الرأي والتعبير فقد تميزت هذه السنة بمتابعة واعتقال ومحاكمة مجموعة من الصحفيين والحقوقيين في خرق سافر للقوانين وفي غياب ضمانات المحاكمة العادلة ، ولعل حالة الصحفي سليمان الريسوني لنموذج صارخ على ذلك حيث سجلنا انتهاك قرينة البراءة التي نص عليها الدستور، و جرى إلقاء القبض عليه بمجرد أن قامت الشرطة القضائية بالاستماع إلى مواطن مجهول الهوية سبق له أن نشر تدوينة في الموقع الاجتماعي فايسبوك بهوية غير حقيقية ومنذ سنتين (2018)
الان الصحفيان سليمان الريسوني وعمر الراضي معتقلين تعسفيا لما يقارب السنة، ودخلا في اضراب على الطعام بلغ فيه عشرون يوما وحالتهما الصحية صعبة ومن مسؤولية الدولة ضمان حقهما في الحياة ومطلبهما سهل جدا المتابعة في حالة سراح وتمتيعهما بمحاكمة عادلة ، بالإضافة الى تواجد أزيد من عشرين معتقلا سياسيا يرى الفريق الاممي المكلف بالاعتقال السياسي أنهم أبرياء ويطلب من السلطات المغربية اطلاق سراحهم فورا وفي مقدمتهم الصحفي توفيق بوعشرين.
- مسؤولية مؤسسات الحكامة في الوضعية الحالية
علينا أن نؤكد أن الحكامة الجيدة من الأدوات الرئيسية والأساسية التي تشكل مدخلا لتخليق الحياة العامة من كل الأساليب والممارسات السلبية، من فساد ورشوة بالإدارات العمومية والمؤسسات، كما تشكل إحدى الآليات التي استعان بها المشرع المغربي من خلال دستور 2011، وبالخصوص الباب الثاني عشر منه الذي خصصه للحكامة الجيدة، إذ عمل المشرع على دسترة العديد من المؤسسات والهيئات التي تدخل في خانة محاربة الفساد والتكريس لتدبير عمومي ناجع، شفاف ومعقلن،
فالمفتشية العامة للإدارة الترابية إلى جانب مؤسسات أخرى كالمجلس الجهوي للحسابات، أدوات تدخل في نطاق الحكامة الجيدة، إذ تشكل الخيط الناظم الذي سيعمل على منح التدبير الترابي في ظل الجهوية المتقدمة، منحى جديدا في اتجاه تخليق العمل الترابي حتى يصبح أداة تساهم في خلق الثروة، وأداة تساعد على خلق وتحرير الطاقات الشابة وإدماجهم في العملية الحكماتية التي تعرفها البلاد، الشيء الذي سيشكل طفرة تساعد على التأسيس الصحيح لمفهوم دولة الحق والقانون، ودولة المؤسسات..
لكن رغم سن القوانين ووضع مؤسسات دستورية ضامنة لها ، لم نتقدم في مجال الحكامة مع استمرار ظاهرة الافلات من العقاب وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة ، علما أنها كانت من بين أهم التوصيات الصادرة عن هيئة الانصاف والمصالحة ، وبالتالي فنهب المال العام لازال مستمرا سواء عن طريق الاختلاس المقنن أو بهضره في مشاريع لا تخضع للمراقبة والمساءلة، والا ما معنى الاعلان الرسمي عن فشل مشروع الحسيمة منارة المتوسط ، واقالة وزراء القطاعات المسؤولة عن ذلك ، دون مساءلتهم ومحاسبتهم.
- تماطل السلطات الوصية في تمكين المنظمات الحقوقية من الوصولات المؤقتة والنهائية
علينا أن نؤكد أن الجمعيات الحقوقية هي فضاءات للتربية على حقوق الإنسان والنهوض بها ومواجهة الانتهاكات، برؤية يطبعها التعاون والتكامل مع باقي الفاعلين، وبالخصوص الأحزاب السياسية والنقابات، لبناء دولة ديمقراطية حديثة، تحترم الحقوق والحريات الفردية و الجماعية، بما في ذلك حرية المعتقد وإلغاء عقوبة الإعدام، و الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد، وضمان الحق في الحصول على المعلومات، وتؤمن الحق في الولوج للخدمات العمومية الأساسية، من صحة وسكن وعمل لائق وتعليم جيد. وبالتالي من حق الجمعيات تلقي الدعم من هيئات حكومية أو وكالات إقليمية أو دولية، و إبرام شركات معها، وإنجاز برامج تتلاءم ودورها ومساهمتها في التنمية الديمقراطية بالمغرب، طبقا لما يخوله لها القانون، شأنها في ذلك شأن المؤسسات والقطاعات الحكومية.
لكن الجمعيات الحقوقية في الآونة الاخيرة واجهت اشكالات خطيرة مرتبطة أساسا بالحق في التنظيم حيث تزايد عدد الجمعيات التي تحرم من حقها في وصل الإيداع سواء المؤقت أو النهائي ، بل أصبحت السلطة ترفض حتى تسلم ملف التأسيس أو التجديد في خرق سافر للقانون، بالإضافة الى المنع من القاعات العمومية الذي يطال الجمعيات والأحزاب والنقابات وتوظيف القضاء الإداري عبر تأويل سياسي لقانون الحريات العامة لتكريس التعسفات الإدارية ضد الإطارات المستهدفة من طرف السلطة ، طبعا مقابل جمعيات مقربة من الدولة تسلم لها وصولات الايداع قبل الآجال القانونية بل ويتم اغراقها بالتمويل المالي والدعم المعنوي طالما أنها تخدم الاجندة الرسمية للدولة ، هذا الوضع الخاص يسائل الدولة المغربية ما جدوى وضع قوانين لا تحترم ؟
يتضمن قانون تأسيس الجمعيات، كما تم تعديله في سنة 2002، أحكاما تقدمية، ولكن في الممارسة، ترفض السلطات في بعض الأحيان تطبيقها. ولاسيما أن القانون أنشأ “نظاما تصريحيا” للجمعيات، وهذا يعني أن الجمعيات تحتاج فقط إلى أن تصرح للسلطات بإنشائها ولكن لا تحتاج إلى الحصول على إذن مسبق لتكون قانونية. وتنص أيضا هذه التعديلات، على أنه بمجرد “التصريح” قانوناً بجمعية، فإن المحاكم وحدها تملك سلطة حلها. وهذه الأحكام مناسبة لممارسة الحق في حرية تكوين الجمعيات. غير أن ممارسة السلطات لا تزال بعيدة عن الدور المنوط بها في نص القانون. فالإدارة المسؤولة عن التعامل مع التصاريح التي أودعتها الجمعيات تتجاهل وتفسد الإجراءات المنصوص عليها في القانون، بصورة روتينية، في ظل الإفلات من العقاب، فيما يبدو أنه يعكس سياسة ممنهجة للحكومة ، تهدف من ورائها إلى إضعاف وزعزعة الجمعيات الممانعة والتي اختارت في قوانينها انتقاد الاوضاع .