إن التاريخ كما يقول هيجل هو مسار وعي للحرية بذاتها، وأن الوعي بالحرية هو أكثر أشكال الوعي أصالة بالتجربة الإنسانية عبر مسارها التاريخي الطويل.
في تاريخ الدول المعاصر لم يعد مفهوم الحرية مرتبطا -كما كان معهودا قديما- بالدين وتعاليمه ، حيث كانت الكنيسة بالنسبة لمعتنقي الديانة المسيحية هي من يقرر عنك ويوجه رغباتك ويختار مصيرك في الدنيا وفي الآخرة (شراء الجنة من خلال صكوك الغفران)، نفس الأمر ينطبق على الديانة الإسلامية، حيث يجد كثير من معتنقيها تشددا في بعض تعاليمها ، وأن هذا التشدد من شأنه أن يقلص من حرياتهم الذاتية ويقيد مجالها وحدودها… اليوم بات الحديث عن أمور أخرى تعيق استفادة الفرد من حقه في الحرية والتعبير عما يخالجه من أفكار وما يعتنقه من مبادئ نتحدث هنا عن السلطة السياسية. حيث غدا كل من يعارض نظام حكم أو مؤسسة من مؤسسات الدولة عرضة للاعتقال، أحيانا للاغتيال أو القتل…
بالنسبة لي الحرية هي قلم يكتب دون خوف، فاه ينطق دون قيد عقل يفكر دون حدود، ذات تتمرد على المسلمات بلا قلق…الحرية هي أن أمارس حقي في التعبير دون أن أستحضر أن هناك عيون سلطة من السلط تراقبني ودون أن يتصيدني الخوف والندم وجلد الذات على ما تفوهت به عنوة أمام الملأ….
لكن هذا يقتضي أن تكون حريتي مبنية على معرفة عميقة وفهم دقيق ورؤية مستبصرة وليس على الادعاء ومحاولة التقليد…
الحرية الشخصية لها وجهان محوريان، هناك من الناس من يحصرها في الجسد وهناك من يحصرها في الفكر، بالنسبة لي أكون حرة عندما أكون قادرة على التفكير العميق والشامل بحرية ،وحتما سينعكس تفكيري هذا على هيئة جسدي حينها ، وهنا تكمن خطورة الأمر،فالفهم المغلوط للحرية ،يودي بالإنسان أحيانا إلى تبني نظام عيش أو”ستايل شخصي” لايمت بصلة لا إلى الحرية ولا إلى مبادئها…
التاريخ يشهد أن الحرية خاصة حرية التعبير في مسارها الطويل نحو التطور عرقل مسارها هذا ولازال ثالوت مقدس ألا وهو “الدين والجنس والسياسة” ؛في مجال الأدب منعت رواية أولاد حارتنا لخوضها في الدين ومحاولة نشر فكر متطرف (بالنسبة للنقاد حين صدورها)، وفي السياسة حظرت رواية مزرعة الحيوان لكاتبها جورج أورويل لأنها-بحسب النقاد- ليست إلا أفكارا وتوجهات سخيفة ترمي إلى زعزعة نظام الحكم السائد في بريطانيا وقتذاك، أما في الجنس والنموذج هذه المرة مغربيا مع رواية الخبز الحافي لمحمد شكري حيث تعرضت لاستهجان ونبذ عنيف بسبب ماحوته من قصص وكلمات وأفكار بذيئة وخسيسة(بحسب النقاد حينها)…
هذه نماذج فقط تشرح هذا الثالوث الذي يحكم نطاق الحرية في مجال الكتابة والأدب وهناك نماذج أخرى كثيرة صعب هو تعدادها…
لازال الثالوث يحكم حتى الآن هذا المجال في كثير من الدول خصوصا العربية لعدة اعتبارات أبرزها الفهم الخاطئ لمفاهيم عدة (الدين -القيم-المحافظة-الأخلاق…)
بالنسبة لي مجدداً أقول”سأكون حرة عندما أحكم سيطرتي ونفوذ فكري على هذا “الثالوث المقدس” وليس العكس،عندما أتمرد على أمر لا يعجبني دون أن أكون قلقة إزاء ما سأتعرض له من لدن الجهة المعنية بتمردي ،عندما أكون قادرة على اختيار “ستايلي الشخصي” سواء فيما يخص مظهري الخارجي أو في طريقة تفكيري ومبادئي دون توجيه من أحد والأهم دون تقليد أو تطبع…