لا يختلف اثنان حول كون المغرب انتقل منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي من الصراعات الاجتماعية الأفقية (صراع مادي في عمومه ورمزي أحيانا) إلى الصراعات الاجتماعية العمودية ( حول القيم المرتبطة بالمواطنة و المساواة ومناهضة العنف وكافة اشكال الانتهاكات والحق في الاختلاف والحق في بيئة سليمة و الحق في تنمية مستدامة.)
وللحديث عن الاحتجاج كشكل من أشكال التعبير عن الرأي في إطار الصراع الاجتماعي العمودي في هذا المقال سأستعين بأربعة مفاهيم أساسية هي : الدولة/المجتمع-و-الحكومة/المواطنون
في البداية أود أن نتفق ان الاحتجاج سقف تعبيري ، يجب ان تحميه الدولة باعتباره وسيلة من وسائل جس نبض الشارع للوقوف عند حدود مطالب الفئات المحتجة وبالتالي إلزام الحكومة بحلحلة الملفات بحسب الاولويات، وإلا فما دور الحكومة.
ولماذا سميت كذلك…؟
على الدولة من خلال أجهزتها الأمنية ان تنأى بنفسها عن التدخل المباشر في الاحتجاجات مادامت سلمية ومحافظة على النظام العام، ومادامت ترفع فيها شعارات ذات طبيعة اجتماعية أو ثقافية او حقوقية أو بيئية….لأن تدخل الدولة في كل لحظة وحين يشكل ملاذا آمنا للحكومة ويعفي هذه الأخيرة من تدبير الملفات بالجدية المطلوبة ،بل ويبرئها من مسؤولية ما سيقع بعد التدخل.
على الدولة ان تفهم ان السياسة لم تعد تمارس في مقرات الأحزاب او في البرلمان بغرفتيه،بل إن مكانها أضحى هو الشارع لذا وجب مأسسة الشارع باعتباره هو صوت المعارضة ، وفي كل ذلك صيانة للديموقراطية الفتية ونبذ الصوت الوحيد الذي حاربه ظهير 1958 .
إن تحرير أسعار المحروقات والتفريط في المؤسسة الوطنية لاسمير، وتحرير أسعار أغلب المواد الاستهلاكية غذائية و غير غذائية فتح الباب على مصراعيه أمام تعميق التفاوتات الاجتماعية،وينذر بتوسيع مساحة الفقر والهشاشة.
على الدولة ان تبقي مسافة الأمان بينها وبين منطق الاقتصاد اللبيرالي الذي تمثله حكومة اخنوش ، وان تحافظ كما كانت من قبل على التزامها بحماية المواطنين ضد كل أشكال الاستغلال.
فالوثيقة الدستورية باتت غير كافية، خصوصا أن القوانين التنظيمية المنبثقة عنها في ظل حكومة بنكيران كانت مخيبة للآمال ، وضربت في العمق الكثير من المكتسبات التي راكمتها نضالات المواطنين عبر عقود. فالمغرب يحتاج اليوم إلى حكومة قادرة على تدشين إصلاحات عميقة حتى تتلاءم القوانين مع روح الدستور. ( يتبع في ج2)