فقبل 2011 وفي خضم الحركات الاحتجاجية التي اجتاحت أكثر من دولة من كل القارات، لاحظنا أن التوجه العام للدول هو تقييد الحريات وتجريم الحركات الاجتماعية، وطبعا المغرب لم يكن استثناء. لكن وبالموازاة مع تلك الإجراءات جاء خطاب 9مارس الذي فتح الباب أمام إصلاحات دستورية غير مسبوقة، لكن للأسف فالحكومة التي عهد لها بتنزيل بنود الدستور ( 2011–2016 ) لم تحقق انتظارات المغاربة من هذه الوثيقة ، فبتنا أمام معادلة غير مفهومة : وزراء أولون أقوياء رغم صلاحياتهم الدستورية المحدودة ، في مقابل رؤساء حكومات اقزام بصلاحيات دستورية موسعة
بعد إحدى عشرة سنة، نحن الآن أكثر احتياجا الى إصلاحات هيكلية لملاءمة القوانين مع الاسقف الدستوريه خصوصا في مجال الحريات العامة، وابتكار آليات جديدة لإنفاذ تلك القوانين دون المراهنة على المقاربة الأمنية لوحدها لأن الواقع والتجارب المقارنة أثبتا انها غير كافية ،بل لابد من تعزيزها بآليات موازية . فالشارع إسم على مسمى ،ولا يمكن بأي حال حصر وظيفته في السير والجولان والتبضع فقط وانما هو فضاء لتلاقح وتصارع الافكار وبالتالي إقرار ما هو مشروع منها وما هو غير ذلك . فالعادة والعرف باعتبارهما مصدرين من مصادر القانون إنما ينطلقان من الشارع المشتق لغة من شرع (بتشديد الراء ) يشرع تشريعا وسرعة….
ماحدث مؤخرا، على سبيل الذكر بملعب الرباط ليس احتجاجا وإنما تعبيرعن غضب وسخط ، لا أعتقد أن هزيمة فريق ضد آخر تجلب هذه الحصيلة المؤلمة من إصابات الافراد ودمار الممتلكات ،وما نتيجة المباراة إلا مشجب ليس إلا، فالحدث قد يصبح ظاهرة لا قدر الله في كل ميادين اللعبة.
إن تدهور القدرة الشرائية لدى فئة عريضة من المواطنين، وانحسار الأفق عند فئة واسعة من الشباب ، وسياسة الأبواب الموصدة التي تتبناها أغلب المصالح الحكومية، واستقالة الأحزاب والنقابات عن أدوارها الطلائعية في التاطير والتكوين وغيرها من الأسباب الموضوعية….كل ذلك يجعل الدولة في مواجهة مباشرة مع المحتجين في الشارع. من هنا أود أن أوجه تحية إكبار وتقدير للمسيرات السلمية لكل من الأساتذة والممرضين ،والتي أبان فيها المنظمون والمشاركون على حد سواء على روح المواطنة العالية من خلال سلميتهم أولاً، ومن خلال الشعارات المرفوعة تانيا والتي لا تتجاوز في عمومها سقف مطالب اجتماعية ومهنية
لقد أضحى الاحتجاج الاجتماعي في الوسط الحضري الذي ساهمت في إرسائه حكومات التناوب، إذ تعاملت معه بالليونة المناسبة وبالإنصات الكافي ، أضحى هذا الاحتجاج منارا لتعبئة الناس في المناطق القروية (مطالب النساء السلاليات من أجل تمكينهن من حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية….مطالب ترابية….مطالب
تنموية…الاستفادة من الموارد الطبيعية)
كل ذلك ساهم في كسر حاجز الخوف لدى فئات عريضة من الشعب المغربي، ورفع منسوب الوعي لديها….إذن فمغرب اليوم ليس كمغرب الأمس، فهو يحتاج إلى حكومة تتمتع بشرعية إنتخابية حقيقية ، وقدرة كبيرة على الإنصات لتموجات الشارع، وبفاعلية في تناول الملفات الحارقة .
أما الدولة فيجب أن تظل ذلك الحصن المنيع الذي يحتكم إليه ويحتمي به الجميع .
- المراجع الدستورية للمقال:
- الفصل 25
حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل اشكالها
حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة
- الفصل 29
حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والإنتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات.
حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات تنظيمه