صدر مؤخرا عن منشورات مكتبة سلمى الثقافية كتاب “الحرف والصنائع بتطوان خلال العقد الأول من القرن العشرين” لمؤلفه ألكسندر جولي (1870- 1913) ضابط في الاستعلامات الفرنسية، وأخصائي في الجيولوجيا والأركيولوجيا، وحائز على دبلوم في اللغة العربية ودبلوم في الدراسات التاريخية بمدرسة الآداب بالجزائر. وقد أنجز دراسته حول الحرف والصنائع بتطوان أثناء مقامه بالمدينة بين 1904 و1906،بدعم من البعثة العلمية الفرنسية التي كان يشتغل في إطارها ولحسابها. وعليه، فإن النص المترجم رحلة علمية/ استكشافية اعتمد فيها المؤلف على الوصف الدقيق والقياس والمقارنة، واستثمر فيها مستحدثات العلم والتقنية ( تحاليل مخبرية وأدوات القياس الحديثة ومعارف جيولوجية…).
وقد قسم ألكسندر جولي كتابه إلى مقدمة وعشرة فصول. تطرق في المقدمة إلى المنهجية التي اتبعها في تقسيم الصنائع بالمدينة، ثم تناول بالدرس عبر الفصول صنائع الجلد وصنائع الطين المشوي والصنائع المعدنية وصنائع النسيج والملبوسات و صنائع الخشب والعظام وصنائع عمال المباني وحرف التغذية وصنائعها وحرف البحر وصنائعه، ثم تعرض أخيرا للحرف والصنائع الصغيرة ولبعض المهن الصغيرة المستقدمة من أوروبا. وختم جولي دراسته ببعض الخلاصات الهامة. وقدم جولي عبر هذه الفصول مسحا كليا للحرف والصنائع بالمدينة، وجردا لكل ما يتعلق بها من ورشات وصناع وأدوات وتقنيات ومواد أولية، ومنتوجات وأثمانها وطرق تسويقها.
وعن الصورة التي قدمها عن المغرب والمغاربة من خلال حديثه عن الحرف والصنائع بالمدينة، وضح الدكتور جمال الدين العمارتي في لقاء معه أن المؤلف “جمع بين الإعجاب والنظرة الإيجابية الصادرة عن نزعته الرومانسية، والنظرة السلبية التحقيرية التي تصدر عن الإيديولوجيا الاستعمارية وعن الأفكار المسبقة والصور النمطية التي تراكمت عبر الزمن في كتابات المستشرقين ونصوص الرحالة الذين زاروا المغرب”.
وتعتبر الترجمة الدقيقة التي أنجزها لهذا الكتاب الدكتور جمال الدين العمارتي إلى اللغة العربية إسهاما مهما في جمع شتات ذاكرة مدينة تطوان الجماعية وخطوة لامتلاك ماضيها، والحفاظ على إرثها الثقافي الزاخر، فضلا عن أن النص المترجم يقدم مادة علمية غنية وغزيرة يمكن استثمارها في العديد من مجالات البحث العلمي، خاصة في مجال التاريخ الاجتماعي والأنتروبولوجيا والدراسات الرحلية.
وقد عمل المترجم الدكتور جمال الدين العمارتي على إضافة هوامش للهوامش الأصلية لجولي وذلك بغرض شرح وتبسيط ما استغلق في المتن من ألفاظ، خاصة ما تعلق بمصطلحات الكيمياء والجيولوجيا والرياضيات، وأضاف في البعض الآخر معطيات تاريخية تفسر بعض المعلومات الواردة في المتن أو تضيء سياقه التاريخي. كما وضع المترجم معجما مزدوج اللغة (عربي-فرنسي) للصنائع بتطوان، قسمه إلى تسعة أجزاء، كل جزء عبارة عن معجم خاص بالصنائع التي تشتغل بنفس المادة الأولية ثم أنجز أربعة كشافات لتيسير البحث في الدراسة المترجمة: كشاف معجم الصنائع بتطوان، وكشاف الأشكال والرسوم، وكشاف الأماكن، وكشاف الأعلام.
وقد خص الأستاذ الدكتور نزار التجديتي الكتاب بتقديم هام بين فيه الإطار الذي أنجزت فيه الترجمة، والسياق التاريخي الذي أنجز فيه جولي دراسته مبرزا قيمتها العلمية والمعرفية والتاريخية، واعتبر ها أفضل ما كُتب عن الحرف والصنائع بتطاون.