تعد سنة 2010 سنة حاسمة في تاريخ الصحراء المغربية، إذ بعد الهجومات المتتالية للجزائر والبوليساريو وإشهار ورقة «نهب ثروات الصحراء»، اضطر المغرب إلى استعمال ذخيرته القوية عبر ترتيب خرجة إعلامية للسفير المغربي بواشنطن عزيز مكوار، في لقاء صحفي مع «نيويورك تايمز» يوم 8 يوليوز 2010. الخرجة دحضت بالحجة والدليل ما تدعيه الجزائر والبوليساريو، حيث كشف الديبلوماسي المغربي مكوار أن المغرب أنفق ما مجموعه 4 ملايير دولار لتنمية الأقاليم الصحراوية، أي ما يعادل بالعملة المغربية 4 آلاف مليار سنتيم.
بمعنى أن المغرب استثمر في الصحراء حوالي 111 مليار سنتيم كل سنة بين 1975 و2010. بمعنى أن المغاربة خلال هذه الفترة كانوا يضخون في كل ساعة بالصحراء 125 ألف درهم. وهذا مبلغ لم يسبق لأي دولة (من حجم المغرب اقتصاديا) أن أنفقته على جهة من جهاتها.
كشف المغرب لهذه الأرقام جاء في سياق «تعافي» الجزائر من تبعات الحرب الأهلية المعروفة بـ «العشرية السوداء»، واضطرارها إلى البحث عن مشجب تعلق عليه إخفاقاتها من جهة، وأيضا في سياق الملل الذي شعرت به الجزائر والبوليساريو بعد إعمال قرار وقف إطلاق النار عام 1991 من جهة ثانية، حيث اضطرت الجزائر والبوليساريو إلى اللعب «بورقة حقوق الإنسان بالصحراء ونهب الثروات من طرف المغرب»، وهي الورقة التي أحرقها المغرب بالحجج الدامغة و الهجومات المضادة، بلغت أوجها حين فضح الملك محمد السادس رشوة الجزائر للمنظمات الحقوقية الدولية من جهة في خطابه 6 نونبر 2013، وحين أعلن حفيد محمد الخامس أنه مقابل كل درهم واحد يأخذه المغاربة من الصحراء فإنهم ينفقون 7 دراهم في الأقاليم الجنوبية من جهة ثانية في خطابه 6 نونبر 2014.
لم يقف الأمر عند هذا المستوى، بل توج المغرب ذلك بقرار الملك محمد السادس القاضي باعتماد برنامج تنموي خاص للأقاليم الجنوبية في خطاب 6 نونبر 2015، بقيمة 77 مليار درهم، ليختمها بالقرار الملكي الذي طالما انتظره المغرب، ألا وهو ربط شمال المغرب بجنوبه بالخط السككي حينما أعلن محمد السادس في عيد المسيرة 6 نونبر 2019، عن أحد أكبر الإجراءات المهيكلة للتراب الوطني، ألا وهي البدء في إنجاز الدراسات لربط مراكش بأكادير بخط السكك الحديدة في أفق تمديده للأقاليم الصحراوية، بحكم أن استرجاع المغرب للصحراء غير المعطيات الجغرافية وجعل أكادير تتوسط المملكة. هذا الوضع (أي توسط أكادير للمملكة) فرض اعتماد طفرة في البنى التحتية لخلق الثروة والرواج.
وإذا جمعنا ما أعلنه السفير مكوار من أرقام بشأن ما استثمره المغرب في الصحراء (40 مليار درهم بين 75 و2010)، وما خصصه المغرب لوكالة تنمية أقاليم الجنوب بين 2010 و2015 من اعتمادات (7مليار درهم)، وما برمجه المغرب من استثمارات خاصة بالنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية المعلن عنه لمرحلة 2015-2021 المتضمن للطريق السريع تيزنيت الداخلة والمركب الصناعي الفوسفاطي مع رصيف ميناء العيون وكلية الطب وأوراش الطاقة الكبرى ومشاريع التجزئات الاقتصادية ببئر كندوز والكركارات، وغيرها من المشاريع المسطرة (85 مليار درهم، إذ كان الاعتماد المسطر في الأول هو 77 مليار درهم قبل أن تضاف 8 ملايير درهم من بعد)، يكون المغرب قد ضخ كاستثمار في الأقاليم الجنوبية بين 1975 و2019 ما مجموعه 132 مليار درهم (أي 13 مليار و200 مليون دولار). هذا دون احتساب ما التزم به المغرب من مشاريع مهيكلة في الخطاب الملكي ليوم 6 نونبر 2019، بحكم أن الدراسات لم تتم بعد ولن يعرف المبلغ إلا بعد إتمام الدراسات.
هذه الأرقام تكشف أن المغرب أنفق حوالي ثلاثة ملايير درهم كل عام على تأهيل أقاليم الصحراء منذ استرجاعها من الاستعمار الاسباني الذي لم يبن طوال الاحتلال أية مرافق أو مطارات أو طرق أو ماء شروب أو كهرباء أو مؤسسات تعليمية أو مواصلات سلكية أو مدنا زاهية.
وتكبر المفارقة حين نقارن بين المغرب والجزائر: فالمغرب الذي كان يواجه حربا عسكرية ضد العدو الجزائري وملحقته البوليساريو، لم ينشغل بحرب الاستنزاف التي خاضتها عصابة الجزائر، بل بالعكس انتصر على الواجهتين: العسكرية ببناء الجدار الأمني ودحر الجزائر والبوليساريو وتأمين كافة الأقاليم الجنوبية، وعلى الواجهة التعميرية والعمرانية انتصر المغرب بتمكنه، في ظرف وجيز، من إعمار مدن الصحراء، بل وجعلها قبلة للمستثمرين والسياح من مختلف دول العالم، وهو التوجه الذي تبشر المعطيات بأنه في تصاعد بعد قرار المغرب بناء ميناء ضخم بالداخلة الذي سيرى النور في القادم من الأعوام بعد استكمال المسارب المسطرية والتنظيمية.
بالمقابل ظلت الجزائر تنفق 8،5 مليار دولار سنويا (أي حوالي 80 مليار درهم في السنة) لإنهاك المغرب ولم تفلح في ذاك، إذ تم نهب مدخرات الشعب الجزائري من طرف عصابة العسكر هناك لتمويل وتسليح البوليساريو وتعليف تمثيلياتها بالخارج ورشوة اللوبيات والمنظمات الحقوقية الدولية لإلهاء المغرب، بدل أن تسخر تلك الموارد لتلبية الحاجيات الأولية للشعب الجزائري.
وبالتالي يثار السؤال الحارق: لماذا تمكن المغرب ونجح في إعمار الصحراء بـ 3 ملايير درهم سنويا المخصصة للبنى التحتية (لم نحتسب مصاريف التسيير وصيانة وتدبير المرافق العامة) رغم أنه يخوض حربا ضد العدو، في حين تعيش الجزائر إفلاسا تاما، لدرجة أن الشعب الجزائري لا يجد حتى الماء الشروب فأحرى باقي الأساسيات الأخرى، بينما عصابة العسكر تهدر 80 مليار درهم كل عام على جبهة إرهابية وعلى “لخوا الخاوي”؟!
ذاك هو السؤال وتلك هي الإشكالية !