إن هذه الاستراتيجية في الطرح، هي مقاربة من بين المقاربات الممكنة الأخرى، أي أنها زاوية إدراكية لا تلغي الزوايا الأخرى في الوقت الذي تراهن فيه على مجموعة من الأسئلة المحددة، والزاوية الإدراكية التي تحكم هذه المقاربة تنطلق من بداهة كون العلاقة القائمة من الواقعي والمتخيل علاقة تفاعل وتقاطع، فلا المتخيل يعكس الواقعي مرآويا، فيحكم عليه بالفناء، ولا هو يقصيه فيركب صهوة كتابة نرجسية، التي لا نستطيع أن تبدع برنامجا سرديا حسب تعبير بيير زيما، لأن هذا الأخير يفترض شفرة دلالية مؤلفة من تعارضات واختلافات بين القيم الثقافية والاجتماعية وغيرهما إذن فالمتخيل هو صفة تحدث في حقل التاريخ الذهنيات والأنتربولوجيا لإيلاء العقل الرمزي لا يقل دورا عن العامل المادي في النظريات الماركسية، ويرى غاشور باشلار بأنه مرادف للخيال ويجعل هذه الأخيرة مفتوحة ومتمتعة، لذا ينبغي معرفة امتداداته المفاهيمية والدلالية المفترضة، ومعرفة مكانها الإشعاعي، وإذا تحدثنا بلغة بول ريكور فإن هذه الرواية التاريخية والثقافية ليست هوة تستدعي التخطي والتجاوز بل هو وسيط يتطلب العبور من مرحلة إلى أخرى لمعرفة دور هذا المفهوم ووظيفته، لأنه يقربنا من العالم الخارجي سواء في بعده الأيقوني أو في بعده السمولاكري، يتوقف حديثنا في هذا المقال عن تحديد نظري لمفهوم المعرفة عند فوكو، لأن شغله الشاغل هو متابعة تحولات المعرفة في أصلها وفي كينونتها وماهيتها سواء في البعد البيولوجي أو في البعد الطبيعي، وفوكو في هذه القراءة للقرن 16 – 17 – 18 سيشير إلى تصدع الميدان الإبستيمي في الثقافة الغربية، وسينكسر أفق الثقافة النهوية التي عرفها الغرب، لأنها مرتبطة بالتشابهات، والتكرارية والتطابقية بين البعد الميكرو والماكرو فبدخول عصر الأنوار وتجديد المفاهيم والأدوات الإنتاجية سيعرف المجال الإبستيمي مناسبة للخطأ كما يرى ديكارت، وسيرى العالم بأنها مرحلة أصنام المسرح وأمدنا بدون كيشوت الذي انفلت من الانغلاق ببروز أفق جديد للمعرفة ومعه ستنحل الرابطة القديمة بين العلامات وبين التشابهات، (الكلمات والأشياء ص61)، وهذا الطابع الإيديولوجي الكلاسيكي سيقطع مع الماضي لكي يؤسس لنفسه بعدا آخر غير البعد المغلق سواء على المستوى الخطاب أو القول المعرفي ونظام النحو العام، وهذا الانفلات لا يعني اعتباطيا الدليل المركزي، بل يرسم لنفسه رؤية جديدة تتساوق مع شروط المعرفة الموضوعية العلمية، لأن العصر الكلاسيكي هو عصر العبقرية الفردية، والاهتمام بالهوية وبالأشكال الخارجية المرتبطة بالمتعة وباللذة، سواء على مستوى التاريخ أو الفن أو الفكر، لذا بقى هذا العصر مكبلا بالمظاهر وبأسلاك السلف، دون معرفة كيفية الانتماء إلى الزمن والمكان، إذ انكسر أمام مرآة التحول والتغير خاصة مع القرن 19، فهذا التحول هو إلغاء دوران التاريخ والفكر الذي يسود تحت امارة التطابق والتشابه والقيم التي تربط هذا الكائن بالعالم نفس المرجع 141، فقد ظل الإنسان ينتظر في صمت فوق الأشياء إلى من ينظر إليه أو يعرفه كأنه الرمز، فقد أصبح هذا الأخير موضوع المعرفة منسق وقائم على التصنيف كما يرى فوكو في كتابه (ص144)، فهذا الأخير درس الرمز وماهيته من خلال اللوحة للولوج إلى معرفة الموجودات، وباللغة التي ملأت هذا الموجود الصامت، لأن التفضيل الوجودي للشيء قد يكون نهائيا للناظر على كل باقي الإحساسات، إن الأعمى في 18 قد يكون هندسيا لكنه لا يمكن أبدا أن يكون طبيعيا، ص145، ففي جميع الأحوال، فالبحث عن المقارنة والقياس والوحدة والنظام والكشف عن مواطن الذاتيات ومسلسل الاختلافات هو ما يجعلنا ندرك أن السلطة السياسية هي النسق التي تتحكم في توزيع الموجودات في ظل حدود ما يسمى بالسلطة، فالأحزاب الفكرية بدورها خاضعة لها، دون تغيير، وأن مرتبطة بما هو ذاتي، إذن عن أي ثقافة نتحدث؟ هل المؤسسات الوصية قادرة عن إبداع ثقافة مغايرة؟ وما علاقة الثقافة بوسائل الإعلام الجماهيرية؟ ألا يبدو الحديث عن الثقافة اليوم حديثا ضعيفا؟ أسئلة كثيرة تقربنا إلى البعد الأنتربولوجي الكولونياني الذي غذى هذه التفرقة بين ما هو بربري وما هو عربي، وما هو دخيلي، فهذا التمزق النوعي الذي عرفه المغرب جعل البعد السوسيولوجي والإيديولوجي يندمجان في اللعبة دون تمايز بين ما عرضي وما هو جوهري ويقول عبد الله العروي في هذا المقام <<إن المثقف العصري لا يهتم بما يكتبه زملاؤه في الثقافة ويظن أن الثقافة التقليدية في طريق الاضمحلال، فلا يهتم لتأثيره فيها، وفي هذا الموقف نرى عدم النضج والوضوحية>>1، فهذا التصور لا يصل أبدا إلى المستوى الذي سيحدده الواقع المغربي، ذلك أن هذا التصور لا يحدد التحول الداخل للإنسان الذي يسمح له بأن يأخذ هذه الثقافة بمحمل الجد ليطرح الأسلة التي تخصه وتخص المجتمع، ومن ثم ظل خاضعل لمعنى خاص من التغيير المؤسساتي، وظل تفكيره وتحليله بعيدا عما نعني به اليوم الفكر المغاير، فقد كان منطقه عبارة عن لوحة ذاتية لا يعرف إلا الأحداث المتعاقبة كما يرى فوكو في كتابه (الكلمات والأشياء) ص164، فالثقافة التي توجد الآن هي ثقافة موسمية، وهواتية لا تعرف إلا التكاثر والتصاعد دون حركة ولا شعور، لذا لا يمكن الحديث عن العصر في بعده التطوري إلا بوجود الذات العاقلة والفاعلة في المجتمع كما يرى كوفيه، لأن الكائن العاقل ليس كمية متجانسة من الوظائف والأعضاء، فهو يقر بتدرجات تسلسلية تصبح كل الكائن الحي، وتفرض أسبقية عضو على عضو، الأمر الذي يؤكد أن العاقل يخضع لتصميم هندسي عام، وهذه الهندسة تضمن له السيادة أقل مستوى من الأهمية رغم استقلاليته، ولكن فوكو يرى أن العضو خاضعا للوظيفة مما يشكل عائقا معرفيا أمام استقلاليته الكلية فالتاريخ حسب فوكو هو القاعدة الإبستيمية التي تنتظم عليه كل الأفكار، والإطار العام الذي تستقر فيه كل النظم وكل التطبيقات لأن الإنسان (الموجود) في العالم هو في حقيقة الأمر هو الموجود البشري المنفتح على العالم، والقادر على الانخراط في الوجود، وهذا ما يؤكده هيدجر في كتابه الوجود والزمن، فأنطولوجية الوجود كما يرى ديكارت مرتبطة بأنا أفكر في العالم المرتبط بالمكان، فلا وجود مكاني (مثل الكرسي أو الكتاب بين الشيء والأنا إلا بواسطة الشعور) وهذه العلاقة بين العالم والإنسان لا تتأسس إلا عن طريق الوعي بالعالم، فهو الذي يحمل عبء وجوده وأن فكرة العالم ليست تجربتي كما قال كانط أو ديكارت، فعالمنا نحياه كما نحن الموضوعات التي هي عبارة عن أدوات مثل (المطرقة والصحيفة) نستعملها لأغراض، لأن كل ما يدرك بالحس أي عن طريق المعالجة الأداتية (أي الإحالات) فهي مشروطة بوجودنا البشري أو بالمونادات (ذرات) كما يرى ليبنتز، فهذه الذرات مغلقة على ذاتها لأنها مكشوفة بالعالم لأن الموجود يجد نفسه مع الآخر، إنه نسيج اجتماعي دون ترك وجوده الخاص، فتوك ذاتيته في الوجود الزائف هو ضد الوجود الأحيل فهي مسؤولة وحرة كما يرى هيدجر في (الوجود والزمن)، فالموت موقف مؤجل، لا أحد منا يعرف نهايته، لذا فهو حامل أزليته في ذاتيته، فالموت إحساس بالنهاية، والانكسار، والسقوط والتوتر، نشهد هذا المنتظر، لا تستطيع أن تخترقه2، فالتوتر هو الذي يجعلني أستحضر هذا الداء، أبحث عن مرجعيته في الداخل وفي الخارج، وكيف اعتبرها حتمية وضرورية، وأيضا صيرورة، أحيانا نعيش أنماطا متعددة من الوجود، والسعادة والحرية، لكنها تظهر في شكل انعطافات سواء في الزمان، أو داخل المكان، إنه إحساس الغربة والعزلة الذي يشوب موقعي، ومحيطي، هكذا أحملها على كتفي في كل الاتجاهات، شعور بالشك ينثال علي، أسارع للمواجهة مع الفناء من أجل إيجاد ملجأ لأعيش لحظات النسيان، والتأمل والاحتضار البطيء تعودت أن أعيش تحت شجرة العائلة وأسمع حكاياتها عن الموت، لا أدري كيف هربت الأم، والأب من خيالي وظلي، وكيف احتجبت الرؤيا عني وكيف خرج الجميع من دواخلي هكذا ظل الخروج جرحا يعاند الهروب إلى الأمام، وخوفي سيعيش بدوره الاصطدام أمام الآلة المعولمة الغربة تفتش عن قشور الماضي لتصنع بها هوية لهذا المولود تؤرخ لهذا اليقين المطلق، كيف يولد الطفل فوق أريكة الدبابة والأرض هي مقره، ومركز كونه، والشمس والقمر والنجوم في مدار يسبحون، الطفل الفلسطيني يحاول أن يكسر أصنام الصمت باسم “كبورنيك” وعلاقة الارتياب “هيزبيرغ”، فكرة يحاورها لتكون نسبية وليست مطلقة، كسر يقين الذات النرجسية ليكون إنسانا عقلانيا، لا يخاف الموت الخارجي ولا الداخلي، ولا يكترث لقوانينها التي نسجتها الأمم الطاغية، والمنتصرة، يحاول أن يتعلق بأي تفسير يعيد له ذاكرته، ووطنه وهويته، رغبات غير ليبيدية تعرض التاريخ للمحاكمة، وتجعل اللاشعور على سكة الشعور، يتساءل أين العرب؟ هل عندنا لازما نبين ولا مكانيين تحكما الغرائز والشهوات، وننخضع لمبدأ اللذة لا لمبدأ الواقع الفعلي؟ هل في دواخلنا يمتزج الخيال بالواقع، والأسطوري بالحقيقي؟ إذن كيف يقف على التوافق المركزي؟ ومهما يكن من أمر فالعلوم الإنسانية بتشبعاتها الشرعية والوظيفية، حاولت أن تعالج قضية الإنسان والوجود والمعرفة والسلطة واللغة والدين وغيرها من التيمات، فالسلطة تتجلى في شبكات من العلاقات السلطوية المتواجدة إما بشكل مباشر أو غير مباشر، هكذا تظل مفتوحة على كل النظريات والتوجهات من أجل تناولها من كل الجوانب، سواء الأسرية أو المدرسية أو السجنية أو الحزبية أو الإدارية وقد تواكبها القوة والنفوذ والرقابة الاجتماعية، والهيمنة والسيادة… مما يجعلها أوسع وأشمل نظرا لصعوبة التعريف والتحديد، كما هو الشأن (السلطة والدولة)، لأننا لا يمكن الحديث عن الأولى دون الأخيرة كما ترى السوسيولوجيا والأنتربولوجيا وعلم السياسة، والقانون، والاقتصاد، فالماركسية اهتمت بالسلطة ضمن سياقين، السياق الأول يرتبط بالتكوين للدولة، والثاني يتعلق بالسلطة السياسية، فالماركسية ربطت بين الفكر والواقع، من أجل إبراز ما يسمى الصراع الطبقي، وهذا الصراع هو عبارة عن دياليكتيك يجعل الدولة متعالية عن المجتمع، مما جعلها تعتمد على الجيش وما يتبع ذلك من سجون وأجهزة للمراقبة وكذا جمع الضرائب كما يرى انجلز في كتابه أصل العائلة، فهذه الأدوات تكون في يد الدولة لتهيمن اقتصاديا وسياسيا كما نرى في الدول الأسيوية وأمريكا الجنوبية وفي افريقيا، لذا يقر لينين بدوره أن هذا الجهاز المسمى الدولة ظهر أثناء تقسيم المجتمع إلى طبقات مما أدى إلى بروز طبقة مالكة لكل وسائل الإنتاج وخلق أجهزة للاحتكار كوسائل الإدارة والعنف، وهذا التصور اللينيني الداخلي في بناء الدولة، بينما يرى كارل ماركس بأنها تأخذ شرعيتها من داخل الوجود المادي، فالبناء الاقتصادي هو الجوهر الذي تتأسس عليه البنية الفوقية القانونية منها والسياسية، لذا أصبحت الدولة مجرد جهاز في الطبقة المهيمنة دون استحضار سيرورة سوسيو تاريخية، وهذا ما جعل القراءة الماركسية تبعد السياسي والإيديولوجي كما يرى غرامشي، فهذا الأخير أراد أن يعيد فيها النظر من روايا متعددة: فلسفية، وسياسية، واستراتيجية، فهذه المفاهيم منحت لرؤيته الميدانية الإيديولوجية الإيطالية تجاوز كل ما هو قمعي ويكتاتوري وهيمني، عارضا تصورا جديدا لعلاقة بين كل مكونات المجتمع السياسية والاقتصادية ورافضا كل التصورات الماركسية الكلاسيكية التي تعتمد على هذا الثالوث المحرم (الدين – السياسة – أجهزة القمع)، وفاتحا لنا رؤية جديدة التي ترتبط بالثقافة والمثقف ويقول في هذا الصدد: إن العديد من المثقفين يظنون أنهم هم الدولة، ويترتب على هذا الظن نتائج هامة أحيانا نظرا لحجم هذه الجماعة، فالمثقف هو العضو الحيوي في المجتمع، والقناة التي يمر منها الرضى أو العنف وهم أيضا أجهزة الهيمنة التي تلازم هذه الدولة أو تلك وهذا ما يقربنا إلى رؤية ماركس فيبر، فالدولة حسب غرامشي بمثابة التوازن بين المجتمع المدني والسياسي، وهيمنة جماعة على باقي المجتمعات والنقابات والمدارس، فالدولة حسب رأيه هي المجتمع السياسي مضافا إليها المجتمع المدني وهي المنظم والمرسم، من هنا فنظرية الدولة هي التوزيع للسلط داخل المجتمع ويرى بولانتزاس في البيان الشيوعي عند ماركس وانجلز بأن كل صراع طبقي هو سياسي، والصراع الطبقي هو محرك التاريخ، فهذا الفيلسوف وضع السياسي داخل التشكيلة الاجتماعية فهو بمثابة السلطة المؤسسية للدولة، وهذا مخالف لأطروحة كارل ماركس ولينين وغرامشي لأن رؤيته هي رؤية بنيوية تحاول الحفاظ على توازن الكل كنظام تماسكي الذي يحاول الحيلولة دون انفجار وحدة التشكيلة، ويتخطى لنا كل المستويات الاقتصادية والإيديولوجية والسياسية، فالدول حسب طرحه تحاول إبقاء النظام السياسي رغم التقلبات الطبقية، لأنها هي التي تحدد مجال السلطة ويقول في هذا الصدد عندما نتحدث عن سلطة الدولة فهي سلطة طبقة معينة تستجيب لمصالحها أي الدولة دون الطبقات الأخرى، فالمجتمع الرأسمالي التي ولد معه الاقتصادي والسياسي والطبقي جعل الفكر هامشيا وأن البعد الرأسمالي هو البنية السياسية دون استحضار ما قبل الرأسمالية، كالقبيلة والعشيرة، ويرى دوركايم أن هذا الغموض الذي يسود سلطة الدولة والسلط، مما يجعل هذه تصوره للسلطة السياسية كحالة خاصة لسيرورة اجتماعية مولدة بشكل خاص رابطا بين الأخلاق (المجتمع) والقانون (الدولة) من أجل إبداع توازن على مستوى التصوري والعقدي لأن الفرد لا يؤمن بالسلطة عن طواعيته ولكن بمحض اختياره ورضاه ولا كما يظن البعد عن طريق عقد اجتماعي، إذن فهذه السلطة السياسية مرتبطة بالسيرورة الاجتماعية، فهي التي تمارس القهر أو القمع، لأن الإنسان يعيش داخل المجتمع فهو ظاهرة كلية في شتى مظاهرها، وأن السياسي هو الذي يساهم في المحافظة على توازن النظام الاجتماعي، بينما ماركس فيبر غاير كل هذه الاتجاهات مع الأخذ بمنهج الوظيفي الغير العضوي، حيث ربط بين الوظيفة والموقف، مطورا هذا المنهج مع إعطاء الأهمية الكبرى للسلوك الغير المباشر التي تحرك الإنسان والمؤسسة وقد اعتبر هذا التقسيم الاجتماعي هو تقسيم للوظائف داخل النسيج الاجتماعي، تكفل الدولة كجهاز سياسي بإحدى هذه الوظائف الهامة، وفيبر لم يساير الطابع الوظيفي في بعده البيولوجي الكلاسيكي، بل جعل من الدوافع الأساس في تحريك السلوك والمؤسسات، لأن السياسة عنده لا تتحدد بالعلاقات الإنتاجية كما رأينا عند كارل ماركس، ولا تقتصر على تقسيم العمل كما عند دوركايم، وإنما اعتمد على السلوك الإنساني الذي ينبغي فهمه وتأويله، لأن السياسة هي فعل يمارسها الفرد على الآخرين، بينما الاقتصاد مرتبط بحاجيات المجتمع، فالبعد السياسي هو عبارة عن مجموع أشكال السلوك الإنساني الذي تضمن سيطرة فرد على الآخر، فالسلطة إذن تبرز وجودها بالمشروعية وذلك من خلال إما التقليدية (القديمة) أو البطريكية، (كبير العائلة) يسلم السلطة والباترمونيالي (الملك) ونجد السلطة الكاريزمية (الأسطورية)، وأخيرا العقلانية، فهي سلطة الدولة هي التي تستقل عن المجتمع، وتتميز عنه لتأخذ طابعا مؤسساتيا، وتمارس أشكالها عن طريق أداتين، الإدارة وحق احتكار ممارسة العنف عند الضرورة، مع حضور جهار بيروقراطي يبنى على أساس هرمي خاضع للمركز الأعلى ورغم كل هذا التصور فالسلطة ينبغي أن تكون مرتبطة بالرضى والخضوع، من هنا نؤكد أنه لا يمكن للفكر أن يذهب إلى الماورائيات حسب هوسرل وراسل، بل يتطلب منا أن نرتبط بالمجتمع الذي يشبه المسرح حيث تتوالد الانطباعات والآثار في نفسية المشاهدين عن طريق الديكور والإنارة، والموسيقى والشخصيات، نفس الشيء يحدث بالنسبة للسلطة التي تبدع أشكالا وأوهاما لإقناع المجتمع كما يقول جورج بالاندييه في كتابه القوة فوق الخشبة، فالسياسة هي طقس مرتبط بالمجتمعات الإنسانية، أما السلطة فهي للمجتمعات، لأن مجرد الانتساب إلى جماعة اجتماعية يقتضي الخضوع لسلطة ما، فهي ملازمة له ولا تأخذ طابعها السياسي إلا في مستوى معين بحيث فلا يجب أن يعطى للسياسي معنى عاما، لأن السياسي لا يلازم دائما الاجتماعي في نظره، وإنما هو نوع من العلاقات الاجتماعية وهذا يقودنا إلى وضع ثلاثة أنواع من السلط، فهناك السلطة المباشرة والفردية، والمؤسسية، فهذه الأخيرة هي سلطة القانون تلازم كل تجمع إنساني منظم وواعي كما نرى في الجيل الثالث من مثقفي المغرب الذين يعيشون تجربة الرأسمالية داخل التبعية كما يرى عبد الكبير الخطيبي في مقال له في مجلة أقلام ع1 – 1972 ص52، فالمغرب عرف بورجوازية كبرى حضرية، ومتوسطة، وصغرى العقلانية، فهي سلطة الدولة التي تستقل عن المجتمع، وتتميز عنه لتأخذ طابعا مؤسساتيا، وتمارس أشكالها عن طريق أداتين، الإدارة وحق احتكار وممارسة العنف عند الضرورة مع حضور جهاز بيروقراطي يبنى على أساس هرمي خاضع للمركز الأعلى، ورغم كل هذا التصور فالسلطة ينبغي أن تكون مرتبطة بالرضى والخضوع، من هنا نؤكد أنه لا يمكن للفكر أن يذهب إلى الماورائيات حسب هوسرل وراسل، بل يتطلب منا أن نرتبط بالمجتمع الذي يشبه المسرح حيث تتوالد الانطباعات والأثار والإنارة، والموسيقى والشخصيات، نفس الشيء يحدث بالنسبة للسلطة، التي تبدع أشكالا وأوهاما لإقناع المجتمع كما يقول جورج بالاندييه في كتابه القوة فوق الخشبة، فالسياسة هي طقس مرتبط بالمجتمعات الإنسانية، أما السلطة فهي للمجتمعات، لأن مجرد الانتساب إلى جماعة اجتماعية يقتضي الخضوع لسلطة ما، فهي ملازمة له ولا تأخذ طابعها السياسي إلا في مستوى معين، بحيث فلا يجب أن يعطى للسياسي معنى عاما، لأن السياسي لا يلازم دائما الاجتماعي في نظره، وإنما هو نوع من العلاقات الاجتماعية، وهذا يقودنا إلى وضع ثلاثة أنواع من السلط، فهناك السلطة المباشرة والفردية، والمؤسسية، فهذه الأخيرة هي سلطة القانون تلازم كل تجمع إنساني منظم وواعي كما نرى في الجيل الثالث من مثقفي المغرب الذين يعيشون تجربة الرأسمالية داخل التبعية كما يرى عبد الكبير الخطيبي في مقال له في مجلة أقلام ع1 – 1972 ص52، فالمغرب عرف بورجوازية كبرى حضرية، ومتوسطة، وصغرى ولعبث المدن الكبرى بإبراز هذا الفارق الطبقي سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي والثقافي والتربوي، ولد لدينا النخبة التي تحاكي الغرب ولا تهتم بالتراث، وفئة ظلت مقيدة بالتراث مما خلق تعارضا على مستوى الثقافة والسياسة ويقول المرحوم عبد الرحيم بوعبيد في هذا الشأن <<تستود الثقافة من المشرق العربي أو من الغرب الأوروبي وتقتصر في الغالب على استهلاك ما تستورده، أما الآن فقد بدأنا ننتج الثقافة العلمية والنظرية>> مجلة المشروع العدد I بدون تاريخ ص3، والموقف البوعبيدي يقربنا إلى السلطة السياسية التي تحدد بواسطة سياستها الثقافية كأفق العمل الثقافي الرسمي والغير الرسمي، لأنها لا تريد رؤية مغرب جديد، ولا ثقافة جديدة، بل هدفها نشر ثقافة فولكلورية ويرى عبد الله العروي في هذا الصدد <<إن الفكر التقليدي المخالف في منهجه ومقترحاته للفكر الحديث يعتبر نفسه ويعتبره المجتمع المعبر الأمين عن تجربته التاريخية لذا يجد صدى عند جميع الفئات>> العرب والفكر التاريخي ص36 و37 وانظر أزمة المثقفين العرب الفصل المعنون (سنة وتسنين) فالثقافة ليست سلعة لا تستهلك، بل هي عبارة عن لقاح يمدنا بالمناعة الفكرية لمعرفة من نحن؟ وكيف نفكر؟ وأين نسير؟ وكيف نتواصل، لكن للأسف أن الوزارة الوصية تجعل هذه الثقافة موسمية ولا تهتم إلا بالبهرجة، والبطولة المتكسرة أمام المرأة.
- الثقافة والتواصل:
ويقول أدام شاف، إن التواصل من الظواهر الأساسية في الحياة الاجتماعية، فبدون تواصل الناس فيما بينهم وبدون أية إمكانية للتواصل تستحيل الحياة، فالتواصل سيرورة لازمت الإنسان منذ ولادته، فعن طريقه يسمح بتجاوز مجموعة من المشاكل الذاتية والجماعية، لأنه شخصية لا تتحقق تاريخيا ولا ثقافيا إلا بصفتها جزءا من الجماعة>> فالتواصل إذن هو الاتفاق حول المعنى الثقافي وتحقيق التفاهم والحوار من أجل تأسيس معايير اجتماعية، إنه يسمح بالاطلاع على مختلف المرجعيات الثقافية الإنسانية وبالتالي التفاعل معها أو رفضها والاحتفاظ بالتصورات الخاصة، فالتواصل عند هابرماس يشمل التعاون الثقافي والحضاري، فيه تتحول الإحالة التصورية كأيقونة لا يمكن إلا أن نعتبرها علامة تملك موضوعها الذي تمثله، سواء كمؤشر أو كمؤشر دلالي، فإقامة علاقة سببية بين واقعة لغوية أو رمزية فهي تشير إلى الأفكار العامة التي تدفع إلى ربطها بموضوعاتها، لأن العلاقة الاتفاقية في الصورة لا تكون اعتباطية وإنما من وظائف سيميائية، فالصورة هي عبارة عن أنساق لفظية وغير لفظية تخضع اللغة كوسيلة للتعبير والتواصل، فهي التي تؤكد على التطور الضروري للثقافة، فالصورة ليس سائلة، بل تتشكل وفق منطقة قشرية تحيط بالمخ، تعمل على إنتاج ثقافة كصيغ تواصلية رمزية تعتبر بالنسبة للغة مجرد إبدالات مدونة (كتابة، وكحركة التي ترافق الكلام)، إذن لا توجد ثقافة إلا كظاهرة رمزية أوعلامة اجتماعية لا تتضمن تواصلا، حيث تمثل سيرورة التاريخية والثقافية والسياسية، حيث يتيح لنا باتخاذ الموقف، أو إيصال رسالة، سميولوجية (علامات)، فالتواصل إذن هو نسق فكري دالي مكون من وحدات سننية، وقواعد طبيعية واجتماعية لذا فالنسق العلاماتي يسميه ببورس شارل بشيء ينوب لشخص ما عن شيء ما من وجهة ما وبصفة ما، فهي توجه شخص ما بمعنى أنها تخلق في العقل ذلك الشخص علامة معادلة أو ربما أكثر تطورا، فالصورة إذن هي التي تنوب عن شيء ما، وهذا الشيء هو موضوعها، وأساس تمثيلها، إذن هي العلامة ذات الأبعاد الثلاثية كالنوعية، والعلامة المتفردة، والعرفية (القانونية)، فالصورة إذن هي الأيقونة التي تشير إلى الموضوع المطروح عبر الطبيعة التمثيلية والتصورية ويعرفها شارل موريس، بأنها علامة تمتلك بعض مظاهر الموضوع الذي تمثله لأن التواصل حاجة من الحاجات الإنسانية لبني البشر2، وانطلاقا من هذا التعريف فإنه يتضمن الإنسان والحاجة، والتواصل، والتعبير، واللغة، كلها آليات تواصلية لأنها ترتكز على علاقة الأستاذ الطالب، لذا فالتواصل التربوي لا يتأسس بالبداهة ولا بالحس، بل بالعقل، فلا يمكن أن نتصور أي خطاب دون (أ وب) ودون اللغة، وهذه الرؤية تدفعنا إلى الاستنتاج بأن الفكر سابق عن اللغة، لأن نفكر أولا ثم نعبر ثانيا أي ننتقل بعد التفكير إلى إلباس أفكارنا كلمات ملائمة، إذن يسعى الأستاذ إلى إيصال المعنى إلى المتلقي، ويعزى هذا الاهتمام بسيرورة القراءة وآلياتها، سواء على المستوى الفهم أو على المستوى الميتالغوي وعبر هذين العنصرين يتجسد الخطاب التربوي في شكل مسالك معرفية التي تقترحه المعرفة التواصلية، وما يمكن أن يحصل من إندماج أو تنافر بين علوم التواصل وعلوم معرفية أخرى إنسانية، لذا فالمثقف العربي والمغربي بقي ينتظر كودو أن يأتي أولا يأتي حسب تعبير صمويل بكيت في مسرحيته في انتظار كودو، وهذا الانتظار لا يأتي بهدف إلا بالانخراط في المجتمع بكل تياراته، لأنه المحرك الأول في التواصل والتغيير، فهو لم يأتي إلى هذا العالم لتفسيره بل لتغييره، وهذا ما أطالب من ذوي الخبرة المعرفية والثقافية بإشعال النور في هذه الظلمة العربية التي لا زالت مرتبطة بالعولمة، إذن ماذا نريد من المثقف؟
المراجع:
1– عبد الله العروي: “العرب والفكر التاريخي” دار الحقيقة بيروت ط3 – 1980 ص18.
2– A – de Mijolla « les mots de Ereud pairs » Hch – 1989 p225.
3– “الطريق إلى الفلسفة”، إشراف جمال مفرج – تقديم على الشنوفي ص162.