ناقش ثلة من الصحفيين و الحقوقيين موضوع “التضامن والتشهير بين الصحفيين” على مائدة مستديرة نظمها المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان بشراكة مع فرع الرباط للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، والجريدة الإخبارية الرقمية “لوبوكلاج”. ذلك بمقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالرباط أمس الثلثاء 25 من الشهر الجاري.
وأهم ما نوقش على هاته المائدة ما جاء به الصحفي رشيد البلغيتي من تشبيه لواقع الصحافة اليوم بالحمى الشيوعية واليسارية سابقا في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشبيهه لما يعيشه الصحفي المغربي اليوم بما عاشه الكاتب الأمريكي إدوارد دورو من تضييقيات دفعته للكتابة باسم مستعار ليحافظ على قوته مجبرا على التخلي عن أبسط حقوقه منها التجوال ومجالسة أصدقائه.
وشدد البلغيتي على أهمية دور الصحفي الذي قد يكون بنفس جدية مجال الطب بل أكثر باعتبار أن الجراح يؤثر على مريضه فقط في حين أن الصحفي يؤثر على مجتمع بأكمله.
معتبرا أن مهنة الصحافة يجب أن يسبقها تكوين أكاديمي وأخلاقي، لأن هذا أكبر مشكل تعاني منه الصحافة اليوم حيث أن عددا من المنابر تستقطب شباب في سن صغير ذوي تكوينات تقنية وتشغلهم كصحفيين مما أدى إلى شح في الصحفيين المثقفين.
والمقصود هنا من الثقافة الجانب الأخلاقي والصحفي قبل المعرفي.
كما أشار للوضع المادي للصحفي الذي يعكس الهشاشة حيث أن عددا من رجال الأعمال باتوا يستغلون أموالهم للتحكم في الصحافة سواء من خلال اشهارات او حتى بإنشاء مقاولات إعلامية، ومنهم سياسيين مما يؤدي لاستغلال المال العام في إرشاء الإعلام تحت ذريعة الإشهار.
وفي نفس السياق أشار لما تعمل عليه فرنسا اليوم من تعديلات على قانونها المؤطر للصحافة لتحديد به سقفا لامتلاك المؤسسات الإعلامية من قبل المستثمرين.
أما عن علاقة التشهير بالصحافة اعتبر البلغيتي أنها موجة بدأت مع انتشار وارتفاع أعداد الصحفيين الشباب المطالبين بالحريات منذ حركة 20 فبراير وظهور منابر إعلامية أنشئت خصيصا للإطاحة بهؤلاء الشباب.
لتسود سياسة الموجة في العمل الصحفي ومعها تنامي خوف الصحفيين من المتابعات القانونية في حال عدم إتباع الطريق العام.
من جهته أكد الصحفي يونس مسكين في بداية مداخلته على أهمية الانتباه لعدم التطبيع مع شيء غير طبيعي وهو التشهير، خصوصا بين صحفيين وليس فقط بين مدنيين ومدونين او صحفيين غير مكونين مما يجعلهم غير صحفيين في الأصل. معتبرا أن الصحفيين المهنيين يجب أن يستحيوا من هذه الظاهرة وجعلها مرحلة عابرة مؤكدا أنه يجب بدل مجهودات لإنهاء هذا العهد.
كما أكد مسكين على أن التضامن المهني هو شرط وجودي وليس مكمل للمهنة، لأنها بطبيعتها لها هدف مراقبة وكشف الصراعات الدائرة على أرض الواقع.
والانسجام في خضم هذه النزاعات يجعل من الصحفي مستهدفا ويحتاج لحماية أولها تضامن الصحفيين معه لأن الضامنات القانونية ليست كافية لحمايته.
خصوصا الصحفي الحر لأن انفراده يجعله أكثر عرضة للخطر، الشيء الذي يحوله سريعا من ذئب حر إلى حمل وديع.
ومع ذلك سجل مسكين ضرورة الحذر المنهجي في حماية الصحفي المستهدف حيث لا يجب أن يكون الدفاع أعمى بل انصافا لمحاربة الاستهداف الفردي وتصفية الحسابات.
وفي عرضه لتكنولوجيا التشهير في المغرب أكد على أنها بدأ لاستهداف شباب 20 فبراير بعد دستور الحريات 2011.
ثم أفسدت اللعبة مع انبثاق المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعية، واستغلال التقنيات الحديثة لإغراق مهنة الصحافة ومحاربة كل من هو ليس على الطريق االعام أو من يحارب لأجل استقلاليته الفكرية وحتى المادية أحيانا. وصولا الى 2018 واقتناء صحفيين وأقلام بشكل لم تزعم عليه السلطات قبل ذلك.
وقال يونس مسكين “بعد اعتقال بو عشرين رأينا تشهيرات على القنوات العمومية مما يجعل من هذه الظاهرة سياسة عمومية ومما أدى الى التجرؤ للتطاول على أي صحفي تم اعتقاله” مضيفا أن عدم اتخاذ إجراءات ردعية لإيقاف ممارسات تشهير مثل هذه هو ما يؤكد أنها سياسة عمومية باعتبار أن السلطات ترصد كل شيء.
أما عن الصحفية الشابة فاطمة القبابي فقد بدأت مداخلتها بأسئلة اعتبرتها مستفزة منها متى يمكن أن نتضامن ومع من يجب أن نتضامن؟ متى يمكن أن نسمي ما يقوم به الصحفي تشهيرا؟
وقبل الإجابة عنها، أشارت القبابي إلى أن الاختلاف في الصحافة ضرورة مما يخلق صراعات؛ وهكذا بدأت الصحافة في المغرب وقت المقاومة بعدها تحولت لصحافة أحزاب لكن بعد الاستقلال بدأت تنبثق الصحافة المستقلة الا أنها بقيت متأثرة بما هو سياسي، وبعدها الصحافة التجارية الربحية؛
وصولا الى الانترنيت مع الصحافة الإلكترونية التي بدأت دون تأطير معتمدة على الكم وليس الكيف، وهي ما فتحت الباب لغير الصحفيين لارتداء عمامة الصحفي ومع حرية التعبير بدأ ما يسمى بالتشهير الشيء الذي جعل الصحفي في واد والصحافة في مسار اخر.
في حين افترضت القبابي ان التشهير يمكن أن يكون نابعا من اختلاف الصحفيين في مجالات معينة وأحيانا عندما يصبح الصحفي أداة في يد مؤسسة معينة .
وبهذا يصبح الإعلام موجه من قبل التجار الذين اشتروا المنابر الإعلامية.
اعتبرت أن حرية التعبير يجب أن تكون من خلال النقد البناء بعيدا عن الحياة الخاصة وهو ما يسمح به في الصحافة فقط.
ومن جهة أخرى أعتبر إبراهيم الأشهب أن “التشهير من المفروض أن يكون جزءا من القانون المدني وليس في القوانين الجنائية كي لا يزج بالصحفيين والمدافعين عن حقوق الانسان في السجون .
وحتى نعطي انطباعا صحيحا على أن الديمقراطية تتطور لأنها لا يمكن أن تتطور في بلد معين دون الاستناد الى جسم صحفي سليم والى مدافعين عن حقوق الإنسان جريئين سبيا”.
وتجدر الإشارة الى أن هذه المائدة المستديرة ما هي الا أولى حلقات سلسلة من الندوات حول موضوع التشهير. حيث أعلن الأستاذ إبراهيم الشعبي، الذي قام بإدارة النقاش في هذا اللقاء، أنهم سينظمون موائد أخرى تعني بالتشهير بين المحامين وثالثة عن التشهير بين الحقوقيين و أخرى عن فعاليات مدنية وجامعية.