أثار موضوع استقالة النائب البرلماني عبد الوهاب بلفقيه من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نقاشا حادا حول – الانتماء الحزبي و مدى تشبع النخب الحزبية بفكرة الحزب و مرجعياته ، و أيديولوجياته من عدمها – إلى واجهة التداول العمومي ، فبين من رأى في استقالة بلفقيه مجرد محاولة منه للي ذراع حزب الوردة و بين من رأى في ذلك انسلاخ من الحزبية و سقوطا في السياسية الضيقة وفق تعبير الكثيرين .
فلندع كل الأراء جانبا و لتفتحص الموضوع من وجهة نظر محايدة ، فعبد الوهاب بلفقيه و رغم كل القيل و القال ، استطاع أن يرسم صورة الاتحاد الاشتراكي في الأقاليم الصحراوية ، بل و استطاع أن يرسم لحزبه خارطة سياسية قدرت أن تنصب نفسها كقوة سياسية ذات وزن كبير في جهة كلميم واد نون .
غير أن الصراع الخفي بين لشكر و بلفقيه ظل مهيمنا على المشهد الثنائي بين الشخصين ، فالمتتبع للمشهد الاتحادي بجهة كلميم واد نون يدرك أن عبد الوهاب بلفقيه و تياره لهما وزنهما في الجهة ، غير أن غياب وزن مماثل على الصعيد الوزاري مثلا قد يجلب الشكوك و يثير العديد من التساؤلات ، فلماذا قد يستبعد تيار شخص لمع نجمه في الصحراء من الاستوزار ؟
استقالة بلفقيه من الاتحاد الاشتراكي و التحاقه بالجرار و نحن على بعد أسابيع قليلة من الاستحقاقات الانتخابية ، شكل مفاجئة للعديد من المتتبعين للشأن السياسي بجهة كلميم واد نون ، و لعلها إحدى المفاجئات التي سبق و أن تتحدث عنها الأمين العام لحزب الأصالة و المعاصرة عبداللطيف وهبي في إحدى خرجاته الإعلامية حين قال لمحاوره : سنفاجئكم .
و قد عزى المستشار البرلماني و رئيس بلدية كلميم السابق بلفقيه استقالته إلى غياب التواصل بين القيادة الجهوية و الوطنية للحزب ، و هو ما قد يفهم منه أن العلاقة بين لشكر و بلفقيه ليست على ما يرام ، و أيا تكن طبيعة العلاقة بين الرجلين إلا أن حزب الوردة خسر قطبا كبيرا من أقطابه في الصحراء ، و في مقابل ذلك ربح البام قاعدة انتخابية مهمة قد تصنع الفرق في انتخابات شتنبر المقبلة .
غير أن هذا النوع من الترحال السياسي المفاجئ ، ظاهرة غير صحية بل و تعمق اغتراب المواطن عن الفاعل الحزبي ، حيث أصبح الحزب مجرد محطة يتوقف فيها المنتخب أيام الانتخابات و يغادرها ما أن تنتهي ، لتنتفي بذلك فكرة المرجعية الحزبية و التشبع بمبادئ الحزب ، فصارت بعض الأحزاب تتنافس على استقطاب النخب القادرة على صنع الفرق ، و لا تجد أية صعوبة في استقطابها على ما يبدو من حركات الترحال السياسي التي عرفها المشهد الحزبي المغربي في الأيام القليلة الماضية ، و إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن النخب لا تدين بالولاء لأحزابها بقدر ما تدين بالولاء للأحزاب التي توفر شروط راحة أكثر .
هي إذا حرب تزكيات و حرب استقطاب تلك التي يعرفها المشهد الحزبي المغربي للأسف الشديد ، هي حرب إنما تضرب ثقة المواطن في المنتخبين و في الأحزاب بشكل عام ، فكيف يثق المواطن في منتخبين يغيرون أحزابهم مثلما يغيرون ملابسهم ؟
و تحول بذلك الصراع بين الأحزاب من صراع كان يفترض فيه أن يكون صراعا بالبرامج الانتخابية والمقاربات التشاركية مع المواطن إلى صراع حول استقطاب المستقيلين من هذا الحزب أو ذاك ، و كأن الأحزاب تلعب ورقة الأشخاص و الوجوه المعروفة القادرة على صنع الفرق الانتخابي عوض أن تلعب ورقة تنزيل البرنامج إلى أرض الواقع و إشراك المواطنين في هذه البرامج .
و لعل الوقت قد حان لتدخل المشرع بشكل صريح و واضح للحد من ظاهرة الترحال السياسي هذه ، و التي إنما تساهم في تصدع المشهد الحزبي خاصة و المشهد السياسي بشكل عام ، فبعدما كانت الأحزاب السياسية بالمغرب أرضيات فكرية للنقاش العمومي و لتفريخ النخب المتشبعة بفكرة الحزب و أيديولوجياته ، مساهمة بذلك في إثراء المشهد السياسي عبر تنويع التصورات حول شكل الممارسة السياسية و طبيعتها ، ها هي اليوم قد تحولت لمجرد محطات يلمع بريقها قبيل الاستحقاقات الانتخابية لا غير .
إذ يرى الكثيرون أن الأحزاب و بشكلها الحالي ، إنما تساهم – وبانخراطها في استنزاف نخب غيرها من الأحزاب المنافسة – بتعزيز ظاهرة العزوف الانتخابي خاصة لدى فئة الشباب ، بينما يعزو البعض الآخر انتشار ظاهرة الترحال السياسي إلى تآكل الأحزاب تنظيميا و غياب الديمقراطية الداخلية إضافة إلى شخصانية السلطة و الزعامة الحزبية ، و جمود العمل الحزبي مع تدخل السلطة أحيانا أو لنقل استنجاد بعض الأحزاب بالسلطة لتنقذها كلما أحست بدنو أجلها الانتخابي .