نظمت ندوة دولية من طرف ملتقى الباحثين الشباب حول العالم العربي الإسلامي والذي نظمه مركز مجلس أمريكا اللاتينية للعلوم الاجتماعية قصد التعرف على القضايا الراهنة في علاقات أمريكا اللاتينية بالعالم العربي والإسلامي وذلك يومي 25 و 26 نونبر 2021، بمشاركة مجموعة من الباحثين والمهتمين والأكاديميين من مختلف دول العالم، في هذا الصدد تقدمت بورقة بحثية عن بعد قمت فيها بقراءة تحليلية وموضوعية لكتاب الباحث المكسيكي رومان لوبيث بييكانيا “مشكلة الصحراء: منظور جيو سياسي” [1].
وقد صدر هذا الكتاب عن دار النشر إيداف، التابعة لجامعة لاس أميريكاس بمدينة بويبلا بالمكسيك سنة 2013، وأعاد نشره معهد الدراسات الإسبانية البرتغالية التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط سنة 2014، ويقع الكتاب في 202 صفحة من الحجم المتوسط ويتألف من عشرة أجزاء تتمحور حول تاريخ قضية الصحراء المغربية ما قبل الاستعمار، وعلاقة البيعة التي تجمع ملوك الدولة العلوية بسكان هذه الأقاليم الصحراوية المغربية، بعد ذلك عرج الكاتب على بداية النزاع المفتعل، والأطراف المتدخلة فيه، وعلاقة منظمة الأمم المتحدة بمشكلة الصحراء، والوضعية الحالية للأقاليم الجنوبية في ظل السيادة المغربية التي عرفت طفرة تنموية متميزة، وأخيرا علاقة المكسيك بهذا الملف.
ويعد صاحب الكتاب “رومان لوبيث بييكانيا” أكاديمي مكسيكي متخصص في قضية الصحراء المغربية، أستاذ جامعي باحث، حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية وعضو بالجمعية المكسيكية للدراسات الدولية والجمعية الأمريكية اللاتينية للدراسات الإفريقية والأسيوية، والذي كان يشغل منصب رئيس قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة الأمريكتين بمدينة بويبلا الواقعة وسط البلاد، ويعتبر هذا العمل ثمرة بحث ميداني قام به الكاتب من خلال زياراته للأقاليم الجنوبية المغربية للوقوف على حقيقة هذا النزاع المفتعل.
وتمحورت هذه المداخلة حول قضية وحدتنا الترابية التي عكسها هذا الكتاب، حيث حاولنا إبراز مصداقيتها ومشروعيتها التاريخية وكذا اعتراف أغلب دول العالم بها، وكذا أهم المكتسبات التي حققتها المملكة المغربية أمام خصوم وحدتنا الترابية، وفي هذا السياق يقول الكاتب المكسيكي أن “الصحراء لم تكن دولة ولا أمة ولن تكونها في المستقبل” [2].
ويشرح الكاتب أبرز الأسباب التي دعت دولة المكسيك إلى الاعتراف بجبهة البوليساريو وجمهوريتها الوهمية، من بينها أسباب سياسية كانت تسود بين المكسيك وإسبانيا خلال فترة حكم الدكتاتور فرانكو والتي أدت إلى معارضة سياسته الخارجية من أجل احتواء أزمات داخلية كانت تعيشها المكسيك آنذاك، في حين يدافع رومان لوبيث بييكانيا عن اعترافه بسيادة المغرب على صحرائه، وذلك بناء على عوامل متعلقة بالسياق الدولي والجهوي من منظور جيو استراتيجي وسياسي، يسعى إلى إنهاء كل أشكال النزاعات الإقليمية التي تؤدي إلى زعزعة استقرار الدول وشعوبها. ومن هذا المنطلق ينتقد سياسة الجزائر المعادية لوحدتنا الترابية، من خلال افتعالها لقضية ما يسمى بالشعب الصحراوي وحقه في تقرير المصير رغم أنها تساهم فعلا في مأساته كمحتجزين بمخيمات تندوف، واحتضانها لجبهة البوليساريو فوق أراضيها، والتي تمولها و تنفق عليها أموالا طائلة، بهدف خدمة مصالحها وإضعاف المغرب والبحث عن منفذ نحو المحيط الأطلسي، كما يبين صاحب الكتاب في هذه الشهادة على تلاعبات الجزائر بهذا الملف بكلمته الآتية:
“لقد نجحت الجزائر في تضليل بعض الدول للاعتراف بالجمهورية الصحراوية لكنها لم تستطع إقناع الدول العظمى، التي كانت دوما تفطن لنواياها الحقيقية” [3].
ويشير الكتاب إلى أنه قبل إخضاع المغرب للحماية الإسبانية، كانت الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، غير أنها كانت دائما وبالضبط منذ سنة 1491 محطة أطماع الدولتين الإيبريتين البرتغال و إسبانيا. و كانت هذه الأخيرة بالخصوص، تسعى باستمرار إلى حماية جزر الكناري التي تتواجد قبالة الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، مما أدى في ما بعد إلى التوقيع على معاهدة السلام للتجارة بين المغرب وإسبانيا سنة 1767، اتفاق كان بموجبه اعتراف المملكة الإسبانية بسيادة المغرب على جنوبه، إلا أنها تنكرت لهذا الاتفاق بداية من سنة 1884 كبداية لاستعمار الأقاليم الصحراوية بعد محاولات فاشلة منذ القرن الخامس عشر، إلى أن جاء الاتفاق الفرنسي الاسباني الذي فرض الحماية على المغرب سنة 1912، الذي تم من خلاله تقسيم المغرب بحيث هيمنت فرنسا على وسط البلاد وحصلت إسبانيا على أجزاء من شمال وجنوب البلاد، رغم أن الاستعمار الفعلي لإسبانيا لمجموع الأقاليم الصحراوية تم سنة 1934.
ورغم حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، استمرت إسبانيا في استعمارها للصحراء، الذي أطلقت عليه الصحراء الغربية حتى تستغل هذه التسمية كذريعة بأن هذا الجزء الترابي لا علاقة له أصلا بالمملكة المغربية، و أن الشعب الصحراوي لا تربطه أية أصول بالمغرب وبالمغاربة، علما أنه كانت وقائع ومعطيات تاريخية تثبت أن سكان الصحراء كانت تربطها علاقات متينة بباقي مناطق المغرب. وهو ما دفع المغرب لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية لاستكمال وحدته الترابية من خلال تنظيم مسيرة سلمية سنة 1975، حدث لقب بالمسيرة الخضراء، والذي أدى إلى طرد القوات الإسبانية وانسحابها من الصحراء.
وكذلك أبرز الباحث المكسيكي في كتابه عن النهضة التنموية الكبيرة التي عرفتها الأقاليم الجنوبية منذ استرجاعها، والتي تتعلق بمستوى محو الأمية والتمدرس وحقوق الإنسان، ناهيك عن الاستثمارات الضخمة التي رصدتها المملكة المغربية لتعزيز البنيات التحتية بهاته الأقاليم. كما تطرق الكتاب إلى التهديدات والتحديات التي تواجه المنطقة، والتي تتعلق أساسا بتنامي ظاهرة الإرهاب والاتجار في الأسلحة والمخدرات والهجرة السرية وغيرها، وهو ما يؤكده صاحب الكتاب في قوله الآتي:
“اليوم هناك مشاكل تهريب المخدرات والهجرة السرية والرهائن والإرهاب وغيرها، والتي تهدد العديد من الدول في المنطقة وتحولها إلى منطقة فوضى” [4].
واختتمنا هذا المقال بإظهار المزيد من الحقائق حول هذه القضية والأسباب التي ساهمت في إطالة أمد هذا النزاع الذي يعد من بين أطول النزاعات في العالم، وكذا حول مغربية الأقاليم الجنوبية، وهي الشرعية التي أكدها المخطط المغربي للحكم الذاتي كحل سياسي جدي وواقعي لهذه القضية: “لم تكن الدولة الصحراوية المستقلة خيارا واقعيا. من وجهة نظرنا، الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الواقعي لإنهاء النزاع” [5]. والذي ركز أساسا على مبدأ الشرعية والروابط التاريخية، من أبرزها روابط البيعة بين سكان الأقاليم الجنوبية مع سلاطين وملوك المغرب حتى قبل الاستعمار الإسباني؛ وكذا رأي المحكمة الدولية بلاهاي الذي أثبت أن الصحراء لم تكن أرضا خلاء، بل كانت فيها ساكنة تربطها علاقات مع المملكة المغربية.
لقد كان الهدف من هذه المداخلة حول كتاب الباحث المكسيكي “مشكلة الصحراء: منظور جيو سياسي”، هو تسليط الضوء على هذه القضية الوطنية الجوهرية، والتي تستحق أن يترافع من أجلها الجميع كل حسب موقعه ومجال تخصصه، من أجل تبيانها وتقريبها من قراء أمريكا اللاتينية للاطلاع على مصداقية مطالب المغرب المشروعة بغية استرجاع أراضيه المغتصبة، لأن الآلة الإعلامية المزيفة للجزائر والكيان الوهمي تمارس الدعاية المغرضة و تنشر الأكاذيب السياسية والشعارات الواهية، الشيء الذي جعل دولة المكسيك وبعض دول أمريكا اللاتينية تسقط في فخ الاعتراف بها جهلا بمجموعة من الدلائل الثابتة التي تؤكد مغربية الصحراء، لأن “تقريبا كل ما قرأناه يأتي من البوليساريو أو من الجزائر، لكن ليست لدينا وجهة نظر الضحية الرئيسية للنزاع: المغرب”، يقول الكاتب [6].
المراجع:
1- رومان لوبيث بييكانيا، “مشكلة الصحراء: منظور جيو سياسي”، منشورات معهد الدراسات الإسبانية البرتغالية التابع لجامعة محمد الخامس، الرباط، 2014.
2- مقال رومان لوبيث بييكانيا، مجلة “أطليار بين الضفتين”، 14/01/2021.
3- رومان لوبيث بييكانيا، “مشكلة الصحراء: منظور جيو سياسي”، مرجع سابق، ص. 23.
4- 6- المرجع نفسه، ص. 177.
5- المرجع نفسه، ص . 17.
6- المرجع نفسه، ص. 155.