سأحاولُ أنْ أحبّكِ خارجَ الزمنْ، لأنّ الزّمن، أراهُ يأخذكِ مني، كلّ يوم يأخذُ منكِ شيئاً؛ لذا فإني أكرهه. سأحاول أنْ أحبّكِ دونَ أن أناديكِ باسمك؛ كثيراتٌ هنّ من يحملن الاسم نفسَه، لكنّهنّ لسن مثلكَ في شيءٍ ؛ فإنْ وجدْتِ اسما غريباً وجميلاً يعجبكِ فإنّي سأناديكِ به. سأحاول أنْ أحبّكِ في صمتٍ لأنّ الصّمتَ سيقيني شرّ الخذلانِ. أعدكُ أنّي لنْ أسيرَ على نفس المِنوال الذي وضعوهُ للمُحبّين. يا لحُمقِ هؤلاء! يا لبَلادتِهم! إنّهم يريدونَ تقييدَ كلّ شيء، حتّى إنّ أنبلَ المشاعر الانسانية وأسمَاها لم تَسلمْ من سلاَسلِهم وزِنزاناتهمْ ومناهِجهمْ الصّماء وطرائِقِهم العوجاء! يقولونَ لنا ضِمنيّاً: يجب أن تحبّ هكذا وإلاّ فإنّ حبّكَ مرفوضٌ ! لقد وصلت بهم البلاهةُ أنّهم حددوا للحبّ يوما يتيماً !!
حدّثُونَا عن الحبّ في الأفلامِ ، ذاك الحبّ الذي غالبا ما يُختمُ بمشهدِ إنسان مُضرّجٍ بدمائه وآخر واقفٌ بمحاذاته وفي يدَيه المُخضّبَتيْنِ سكّينٌ مسنونٌ أو مسدّس أمريكيّ الصّنعِ.
حدّثونا عن الحبّ في المُسلسلات، ذاك الحبّ الشّرير والمُخيف الذي يقودُ طرفيه إلى ما وراء القُضبانِ بعدَ أنْ قضيَا شهرَ العسلِ يداً في يدٍ في جزر” المالديف ” و “فيلاتِ” الساحل الاسباني أو في مُدن شمال المغرب السّاحرة. بعدْ أنْ كانَ يمسكُ يدها بلطفٍ وهما يتجوّلانِ في باريس وفي محلاّتها الفاخرة الّتي تشيبُ لها رؤُوس الوِلدَان؛ ها هوّ الآن وحيد مهموم الفؤاد يُمسك بأصابعه قُضبانَ حديدٍ أو فلاذٍ روسيّ الصّنع لا يُلوَى أبداً. حَدّثُونا كذلك عن حبّ الاشهارات، ذاك الحب العجيب الغريب الذي يبدو مثاليّا وكأنّنا في المدينة الفاضلة، وكأنّ الجنّة نزلت على الأرض واتخذت منها مُستقرّا ! فترى الأمّ والأبَ وابنيهِمَا فرحِينَ لأنّ مائدة الافطار يُزيّنُها جُبن من نوع معيّن ولأنّ مائدة الغذاء عليها مشروب غازيّ، فقاقيعهُ ملائكةٌ تنشرُ السّعادة الأبدية في النفوس فلا تغادِرُها، ولأنّ مائدة العشاء لا تخلو من معكرونة فرنسية الصّنع.
بعض الأفلام والمُسلسلات صنعوا من الحبّ وحشا سَمجاً ومُرعِباً يفترسُ كلّ من يحاول أنْ يروّضهُ، والحبّ بريء من كلّ هذا. القبحُ الحقيقي ليس في هذا الشّعور الرّفيع وإنّما فيما يغزو النفس البشريّة من بخلٍ وطمعٍ وأنانيّة وكرهٍ وحسدٍ واحتقار للآخر. أمّا الوصلات الاشهاريّة التي تختزل الحبّ في علبة شوكولاتة، فإنّها تُلقي على هذا الشعور أوحالاً من الخِسّة والرّداءة والوضاعة؛ إذْ أنّ الحب الحقيقي نعمةٌ عظيمة القدر . الحب شعور عظيمٌ تجتمع في حضرته كلّ الأضداد لتصير نظراءً ، فتصبحُ الدّمعة وقت الاشتياق نظيرةَ الضّحكة ساعة اللّقاء، وتصير ندوب الألم وقت المُصاب مرادفة لمعنى الفرحِ ساعة السرور.
لمْ يحدّثونا عن الحبّ الذي جمع بين شيخٍ وامرأة عجوزٍ لعقودٍ من الزّمن دون أنْ يقتل أحدُهما الآخر ودونَ أن تطأ أقدامهما أرضية المحكمة. كانَ العجوزُ إذا أخطأ في حقّ زوجتهٍ ، دعا ربّه في جوف اللّيلِ أنْ يحفظها لانّه لن يستحمل عيش يومٍ واحدٍ دونها؛ يستيقظُ صباحا ويعدّ لها إناءً من الماء الدّافئ دليلاً على ندمهِ الشديد وتقديره الجليل لها. لمْ يحدّثونا عنِ الحبّ الذي جمع بين حبيبين حقيقيّين ، حبّ يزَيّنه الصّبر والتّنازل والتّفاهم دون الحاجة لعلبة شوكولاتة ولا إلى سكين أو مسدّس، دون الحاجة إلى نسجِ دسائس وحفر خنادق واختراع اتهاماتٍ زائفة من أجل الاطاحة بالآخر. هؤلاء الصّالحونَ، حينما يستنفذون كلّ الوسائل السليمة من أجل رَتْقِ الفَتْقِ، من أجل إصلاح ما أفسدَه أحدُهما بقولٍ أو فعلٍ ، يرضخونَ للطّلاق؛ يمضي كلّ منهما في سبيله دون انْ يلتفت للوراء ليسبّ رفيقه القديم. ..
لهذا قرّرتُ أنْ أحبكِ خارجَ الزمن، أن أحبكِ في صمت، لأنّ الضجيجَ يلوثُ كلّ شيء جميل. لن أحبكِ كما يفعلون في أفلامهم ومُسلسلاتهم وإشهاراتهم. سأحبكِ على طريقتي، لا كما يريدون. سأحاول أن أحبكِ خارج هذا الزمن الذي يجمعنا مع هؤلاء الذين سمّجوا هذا الإحساس المَهِيب، ففريقٌ يقدّمه كوحش قاتل وفريق آخر يُصوّره كملاكٍ؛ وهو في الحقيقة بين المَنزلتَين. الحبّ الحقيقي هو تماما كالانسان الحقيقي، قليل المَساوئ، كثير المَحاسن…