بعد تجربته الكتابية الأولى ” أنا والسرطان” التي أرخت للحظات مرضية عصيبة جدا، و التي حضيت باهتمام كبير من طرف الإعلام المغربي، السمعي البصري، الورقي و الرقمي، فضلا عن الاحتضان الجميل و غير المسبوق من طرف جمهور عريض من المغاربة، داخل وخارج الوطن.
جاءت التجربة الثانية، مختلفة وبعيدة عن التجربة الأولى.. كتاب ” سيدي البرنوصي: ذاكرة مكان ووجدان” يتناول في سرد نوسطالجي مبسط، تاريخ حي سيدي البرنوصي وما يختزنه من ذكريات فردية وجماعية.
في هذا الكتاب، حكايات وطرائف وأحداث عاشها سكان هذا الحي، الذي أنجب من قلب التهميش والمعاناة نساء ورجالا بصموا على حضور مشرف في جميع المجالات: الرياضية، الإعلامية، المقاولة والفن، الثقافة والعمل الجمعوي.
يحكي هذا الكتاب الجميل والطريف، عن أول مقهى وأول طبيب وطبيبة. عن أول حمام وأول مدرسة وعن سينما السلام. في هذا الكتاب أيضا سرد حنيني عن البحر و ” عوينة” سيدي البرنوصي والبئر المجاور وعن التعمير وفرق الحي والرشاد البرنوصي الذي يمثل بفخر وامتياز بطاقة الحي.
- من الكتابة عن الألم والمعاناة (أنا والسرطان) إلى الكتابة عن نوسطالجيا الماضي (البرنوصي: ذاكرة مكان ووجدان)، هل يمكن اعتبار هذا الحنين هروب أو رج على الألم والمعاناة؟ أم ماذا؟
أعتبر أن العلاقة بين الكتابة عن تجربتي مع مرض السرطان في كتاب “أنا والسرطان” وكتاب «سيدي البرنوصي ذاكرة مكان ووجدان” هو تأكيد للانتصار على السرطان؛ المرض الذي لقبته بالجبان، وهو اللقب الذي تبناه المرضى ليس في المغرب فقط بل في العديد من الدول العربية.
فها أنا حي أرزق بعد صراع مع المرض، وعندما كانوا ينتظرون موتي، أصدر كتابا جديدا.
الكتابة عن السرطان كانت تعبيرا عن التشبث بالحياة في الوقت الذي كانت العائلة تفكر في شراء الكفن.
أما الكتابة عن مرحلة الطفولة والشباب بحي سيدي البرنوصي فهي عودة لتلك الحياة البسيطة وذلك الفرح الطفولي في حي هامشي بمدينة الدار البيضاء وأيضا إلى تلك الأحلام للخروج من قلب المعاناة عبر الاجتهاد في الدراسة كقنطرة وحيدة للانتقال إلى حياة أفضل.
- العديد من الكتابات المحلية، أصبحت عالمية، نجيب محفوظ و جائزة نوبل للآداب مثلا. هل من الضروري أن نبدأ من الحي، لنعبر للفضاءات الأخرى؟
يمثل حي سيدي البرنوصي بالنسبة لي مركز العالم. فيه خرجت إلى الحياة وبه درست ونسجت علاقات ممتدة على ستة عقود. بهذا الحي كان لي حظ اللقاء بمعلمين وأساتذة وأصدقاء لقنوني عشق وتذوق جميع أصناف الكتابة وأشكال الإبداع.
- ماذا يعني لك الحي؟
حي البرنوصي جزء جميل من الكرة الأرضية؛ هو كما أراه بلا حدود وأنا فيه مثل السمك في البحر.
وأعتبر كتابي وهو الأول هدية له ولكل من قدر لي الله أن أفتح عيني عليهم و أن أكبر أو أدرس أو ألعب معهم. وهو أيضا رد للاعتبار للحي كجزء من ذاكرة الدار البيضاء.
- كل كاتب يضع أهدافا يكتب من أجلها. أنت لمن تكتب؟ ماذا تضيف الكتابة في الرصيد الحياتي للكاتب؟
.أنا أكتب مثلما أتنفس وهي مسألة طبيعة و عفوية. منذ طفولتي كنت أجد في الكتابة وسيلة لاقتسام الفرح والقلق. والكتابة بالنسبة لي فرصة للحوار مع الذات ولسماع موسيقى الحروف والكلمات.
هدفي من الكتابة هو الكلام بصوت مكتوب.
ولهذا أجد أن الكتابة أعطتني أكثر مما قدمت لها لأنه مهما يقال عن الكتاب في هذا الزمن، فإنه فرصة لتخليد اسم الكاتب ولو على رفوف مكتبة.
أنا أكتب لنفسي قبل أن أكتب للآخر.
- الكتاب الأول جاء نتيجة عامل طبيعي. تخليد لجظة مرضية مصيرية. هل قمت بالتخطيط للكتاب الثاني؟
لا بد من الإشارة إلى أن كتاب “سيدي البرنوصي ذاكرة مكان ووجدان” لم يكن نتيجة تفكير وقرار مسبق، بل هو كتاب انطلق بتدوينات حول ذكرياتي بالحي بدأت نشرها منذ حوالي خمس سنوات (منذ 2017) على صفحتي بشبكة فيسبوك.
فجأة وجدتني أكتب عن لعب الكرة والذهاب إلى الشاطئ ومتابعة فريق الرشاد البرنوصي ومشاهدة الأفلام بسينما السلام وعن المدرسة والإعدادية. ذكريات وحنين وطرائف. و مع التفاعل الذي خلقته تدويناتي خاصة مع أبناء البرنوصي من جيلي و من الجيل الذي سبق، بدأت المعلومات تتراكم، ونضجت فكرة جمع كل ذلك في كتاب. وكانت فترة الحجر الصحي التي استثمرتها في استكمال هيكلة الكتاب.
حينها تحول الأمر من تسلية على الفيسبوك إلى مسؤولية تاريخية وتوثيقية والبحث عن المعلومة الصحيحة والدقيقة. مع جمع الصور التي توثق لمعالم الحي وتراثه وشخوصه ورموزه.
ينشأ فعل الكتابة عند محمد شروق من إيمان بدور الكتابة في تخليد اللحظة وتحريرها من إسار الماضي وينمو هذا الفعل من خلال إصراره على التدوين وتصيد اللحظات في دفئها الأول بلغة تنساب في بساطة ولين يجافيان الغموض ودون احتفاء بتلوينات الكلام والبلاغية لرغبة الكاتب في مخاطبة القارئ المتعدد لأن الكتاب ليس موجها لقارئ ضمني مفرد .
ليس صديقي واستاذي العزيز الا ان ادعو له بما كان يدعو به المصطفى :” اللهم اني أعود بك من البرص والجنون والجذام،ومن سيئ الاسقام”