قرار حركة GenZ212 بتعليق التظاهرات السلمية المقررة نهاية الأسبوع لا يبدو تراجعاً بقدر ما هو مناورة محسوبة في لحظة تتسم بكثافة الرموز السياسية والانتظارات الشعبية. الحركة اختارت أن تتوقف لتتنفس، لتعيد النظر في أدواتها، وتحصن خطابها من التشتت أو الاختراق، بعد أن فرضت نفسها كفاعل اجتماعي جديد أعاد تعريف الاحتجاج في المغرب بوسائل رقمية وتنظيم أفقي غير مسبوق.
هذا التوقف يحمل دلالتين متناقضتين ظاهرياً ومتكاملتين عملياً. فهو من جهة خطوة إلى الوراء لتجنّب الانجرار نحو العفوية أو الاستفزاز، ومن جهة ثانية تمهيد لخطوتين إلى الأمام من حيث التنظيم، التنسيق، وبناء شرعية مطلبية أوسع.
الرسالة المبطنة للحكومة واضحة: الشارع الشاب ليس فوضوياً ولا عابثاً، بل قادراً على إدارة توقيته وضبط إيقاعه. وهنا تكمن قوة رمزية جديدة تُربك الحسابات التقليدية للسلطة.
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: هل يحتاج المخزن إلى صدمة أقوى ليُدرك عمق التحول؟
المؤشرات الاجتماعية، من التعليم إلى الصحة إلى التشغيل، كلها تدق ناقوس الخطر منذ سنوات.
جيل Z لم يخرج من فراغ، بل من إحباط تراكم، ومن فراغ سياسي لم تعبئه لا الأحزاب ولا النقابات.
تجاهل هذا الواقع أو تأجيل معالجته لم يعد مجدياً. فالتاريخ القريب علّمنا أن “الهدوء الظاهر” في المغرب لا يعني الرضا، بل انتظار اللحظة المناسبة للانفجار أو للانبعاث.
الحركة بقرارها هذا منحت الدولة فرصة جديدة لإثبات نضجها السياسي، وللانفتاح على حوار حقيقي لا يقوم على التسويف أو التهوين.
لكن إذا اختارت الحكومة مجدداً سياسة الانتظار والتبرير، فقد تتحول هذه “الهدنة” القصيرة إلى لحظة إعادة تعبئة أكبر، وربما إلى موجة جديدة من الضغط السلمي، أكثر تنظيماً وأوسع تأثيراً.
إن “الصدمة” التي يحتاجها المخزن ليست في الشارع أو في الغضب، بل في الاعتراف بذكاء الشارع نفسه، بقدرته على تطوير أشكال نضاله، وبأن زمن التحكم في الرأي العام من أعلى قد ولّى.
من يتجاهل ذلك سيجد نفسه يوماً أمام معادلة جديدة: شباب يعرف مطالبه، يعرف أدواته، ويعرف كيف يجعل صوته مسموعاً في الداخل والخارج دون عنف، لكن أيضاً دون خوف.















