في الوقت الذي انتهت فيه الولاية القانونية للمجلس الوطني للصحافة، يعيش المشهد الإعلامي المغربي حالة فراغ مؤسساتي نادرة من نوعها.
فقد توقفت عمليا الجهة الوحيدة المخولة قانوناً بمنح بطاقة الصحافة المهنية، بمقتضى القانون رقم 89.13 والمرسوم التطبيقي 2.19.121، عن أداء مهامها منذ مطلع أكتوبر 2025. وبينما ينتظر آلاف الصحافيين وضوح الرؤية بشأن وضعهم المهني للسنة المقبلة، تتسارع التكهنات حول السيناريوهات الممكنة لتدبير هذه المرحلة الانتقالية الحساسة.
السيناريو الأول الذي يتداوله الوسط الإعلامي هو تشكيل لجنة مؤقتة أو مستقلة لمنح بطاقة الصحافة لسنة 2026، ريثما يتم تجديد المجلس أو إعادة هيكلته قانونيا.
هذا الخيار يبدو الأقرب إلى المنطق المؤسساتي، لأنه يسمح باستمرار الخدمة الإدارية دون تعطيل مصالح المئات من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية.
غير أن هذا الحل يثير إشكالية الشرعية، إذ لا يمكن لأي لجنة أن تمارس صلاحيات المجلس إلا بتفويض قانوني صريح، أو بمرسوم حكومي مؤقت يحدد الإطار والمدة والاختصاصات، وهو ما لم يصدر إلى حدود الساعة.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في تمديد ولاية المجلس الوطني للصحافة بقرار حكومي استثنائي، على غرار ما حدث في سنوات سابقة، تحت ذريعة “استمرارية المرفق العام”.
هذا السيناريو يمنح غطاءً قانونيًا مؤقتًا، لكنه قد يُفاقم الأزمة المؤسساتية، لأنه يمدد لهيئة انتهت ولايتها دون تجديد ديمقراطي أو انتخابي، مما سيجعلها عرضة للطعن في شرعيتها ومشروعية قراراتها، خاصة من طرف النقابات والفاعلين الذين يطالبون بإصلاح جذري لطريقة تشكيل المجلس وتركيبته.
السيناريو الثالث، وهو الأكثر طموحاً والأكثر تأخراً في آن، هو إعادة النظر الشاملة في بنية المجلس الوطني للصحافة عبر تعديل قانونه المنظم.
هذا التعديل، الذي سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أوصى به في تقريره الأخير، يمكن أن يفتح الباب أمام ميلاد مؤسسة أكثر استقلالية وفعالية، تتولى تنظيم المهنة وفق معايير حديثة، وتضمن توازناً حقيقياً بين سلطة الدولة واستقلالية الجسم الصحافي.
غير أن هذا المسار يحتاج وقتاً سياسياً وتشريعياً أطول، وربما لا يُثمر قبل نهاية سنة 2026.
كيف ما كان الحال، يبقى السيناريو الرابع — غير المعلن لكنه متداول في الكواليس — أن تتولى وزارة الاتصال أو الحكومة مؤقتاً عملية منح بطاقة الصحافة في انتظار حسم الإصلاح. وهذا السيناريو، وإن بدا عملياً من حيث التدبير، إلا أنه يُشكل خطوة إلى الوراء في مسار استقلال المهنة عن الوصاية الحكومية، وهو ما ناضلت من أجله الأجيال المتعاقبة من الصحافيين منذ مطلع الألفية.
ما بين هذه الاحتمالات الأربعة، يقف الصحافي المغربي اليوم أمام سؤال بسيط لكنه جوهري: من يمنحه صفته المهنية في عام 2026؟ الجواب ما زال معلقاً بين النصوص القانونية والقرارات السياسية، في انتظار لحظة حسم تعيد التوازن إلى المشهد وتمنح المهنة مؤسسة تستمد شرعيتها من القانون والديمقراطية، لا من الفراغ والتأجيل.
إن لحظة الحقيقة قد حانت. فالمطلوب ليس فقط إيجاد لجنة لتوزيع بطاقات، بل إعادة التفكير في معنى “الاستقلالية المهنية” داخل منظومة إعلامية تتغير بسرعة، وتحتاج إلى مؤسسات أكثر رشداً وجرأة، وأقل خضوعاً للمنطق الإداري أو الحزبي.
بطاقة الصحافة ليست مجرد وثيقة، بل هي عنوان الكرامة المهنية والاعتراف القانوني بوجود سلطة رابعة حقيقية في هذا البلد.















