س – نحن على مبعدة أيام قليلة من شهر رمضان الكريم الذي تعيشه بلادنا في ظل أحداث عالمية كبرى و متغيرات سياسية و جيوستراتيجية بالغة الخطورة : العام الثالث في عمر وباء كورونا، الجفاف الذي يضرب المغرب و تداعياته الخطيرة على الاقتصاد و المجتمع، الحرب الروسية الأوكرانية و تأثيراتها السلبية المباشرة على الاقتصاد و السلم الدوليين، تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، التغير المناخي المقلق في كل دول العالم دون استثناء، أزمة الطاقة، ندرة المياه، التلوث، العجز الاقتصادي العالمي الشامل الناجم عن تبعات أزمة كوفيد 19، ناهيك عن مشكل غلاء المعيشة بسبب ارتفاع اثمنة المنتجات الغذائية و الطاقية الأساسية.. هذا غيض من فيض… و للتعرف على طرق تدبير و إدارة الوقت في زمن الأزمات نتشرف بمحاورة مهدي عامري، خبير التنمية الذاتية و الكاتب و الدكتور و الأستاذ الباحث بالمعهد العالي للاعلام و الاتصال بالرباط.
بداية، نود أن تعرفنا، استاذنا المحترم، على أهمية التنمية الذاتية ابان الأزمات…
ج – أنا سعيد بهذا اللقاء الفكري و الجماهيري و شكرا على استضافتكم اللطيفة و الجميلة.
أود الإشارة إلى أن التنمية الذاتية ليست علما كما يخيل للبعض و لكنها مجموعة من التقنيات و الأساليب المستمدة من علوم النفس و الاجتماع و الفلسفة و الخطابة. هذه التقنيات و الأساليب عندما يتم توليفها و التنسيق فيما بينها بشكل محكم، فإنها تمكن الفرد من أن يطور نفسه و أداءه المهني و الاجتماعي.. انها تمكنه أيضا من تحسين ذاكرته و من مستواه المعرفي و التواصلي..
و نحن لا يمكن أن نفهم التنمية الذاتية إلا عندما نرجع إلى مستهل 1970 عندما نشأت البرمجة اللغوية العصبية في الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها مدرسة تهتم بتطوير الأداء الشخصي و الفعالية الفردية و الإجتماعية – سواء على مستوى العلاقات المهنية أو الأسرية -، كما أنها تدرس و تنمذج اقوى الاستراتيجيات العالمية لمراكمة الثروة و الارتقاء في سلالم النجاح بكل أبعاده ( المادية و اللامادية).
أريد أن أضيف ان التنمية الذاتية تمثل أسلوبا ايجابيا في العيش و توليفة عجيبة لعدد ضخم من الأساليب و الاستراتيجيات السهلة و البسيطة، و التي يمكن لأي شخص أن يتعلمها و يفعلها في حياته اليومية. و الأمثلة على ذلك كثيرة : كيف تتغلب على الخوف، كيف تتغلب على الوسواس القهري، كيف تذاكر للامتحانات، كيف تتعايش مع الوباء…
س – ممتاز د. عامري، و في هذا السياق توصلنا قبل قليل بمجموعة من تساؤلات المتابعين عبر تطبيق واتساب وعبر صفحتنا على الفيسبوك و على الأنستغرام…
السؤال الأول : كيف يمكن لي تدبير و تنظيم الوقت خلال شهر رمضان المبارك ؟
السؤال الثاني : كيف يمكنني أن أستثمر وقتي بشكل جيد في عالم متغير و مليء بالازمات ؟
السؤال الثالث : كيف يمكنني أن أستفيد من وقتي على النحو الأمثل خلال شهر رمضان المعظم ؟
السؤال الرابع : كيف يمكن لنا أن نستفيد من وقتنا داخل الفضاء المنزلي خلال شهر رمضان ؟
السؤال الخامس : ألاحظ أن تركيزي ينقص كثيرا في شهر الصيام ، بحيث لا أتمكن من استغلال وقتي بشكل جيد و لا انجز في الاغلب ما خططت له سابقا. ما الحل اذا ؟
ج – قبل أن اتفاعل مع هذه الأسئلة و أضع بين أيديكم بعض استراتيجيات الإدارة المثلى و الفضلى للوقت خلال الأزمات، اعتقد أنه من المناسب أن أعرف أولا مفهوم الوقت.
ما هو الوقت ؟
ثمة ثلاثة اعتبارات يمكن أن نسلط عليها الضوء إذا أردنا أن نعرف مفهوم الوقت.
الاعتبار الأول هو الاعتبار الرمزي، و نقصد به قدسية بعض الأيام و الشهور لدى المسلمين او غيرهم… فمثلا شهر رمضان الذي تفصلنا عنه أيام قليلة ، يكتسي رمزية و روحانية هائلة في المخيال الاسلامي، بصفته الشهر الذي أنزل فيه القرآن على النبي الكريم محمد صلى الله عليه و سلم.
البعد الثاني هو البعد الثقافي باعتبار أن الوقت عابر للثقافات و تختلف دلالاته و معانيه من مجتمع لآخر (الوقت من ذهب / اللي زربوا ماتوا / لا تسأل الله الوقت و لكن اسأله البركة / الوقت هو الوسيلة الاولى للانتاج داخل الشركات… ).
أما الاعتبار الثالث الذي ينبغي الانتباه إليه في ما يخص مفهوم الوقت فهو أن هناك نوعان من الوقت : زمن فيزيائي يقاس بالثواني و الدقائق و الساعات و هو نفسه لا يتغير في اي مكان بالعالم، و زمن سيكولوجي ( كأن تتأمل مشهد الغروب، و يخيل لك لفرط جماله و سحره أنه يدوم ساعات و ساعات، و الحال أنه لا يتجاوز دقيقتين أو ثلاث دقائق…).
س – د. عامري، لدي سؤال لم يرد مع أسئلة المتابعين، و أنا أعتقد أنه مهم جدا… تفصلنا أيام قليلة عن شهر الصيام و الغفران، و بناء على ذلك كيف يمكن أن نتجنب الإحساس بالملل الناجم أحياناً عن قلة المجهود البدني و طول ساعات الصيام ابان الشهر الفضيل ؟
ج – عندما تكون صائما فإنه لا يليق بك الإحساس بادنى قدر من الملل. أي نعم، أنت صائم، لكن الوقت كله بين يديك.
ان أول خطوة للادارة الممتازة للوقت خلال الصيام تتمثل في تقسيم الوقت إلى مجموعة من الحصص و الأنشطة، و هناك على الأقل أربع حصص يمكن أن نقسم لها وقت كل كائن بشري على وجه هذه الأرض.
* الحصة الأولى ترتبط بالعقل
* الحصة الثانية ترتبط بالبدن
* الحصة الثالثة ترتبط بالروح
* الحصة الرابعة ترتبط بالحياة الاجتماعية.
لنشرح الحصة الأولى، أي حصة العقل.
الحصة الأولى تشمل الأنشطة الفكرية و الذهنية كالقراءة و الكتابة و التأمل و التدبر و التفكير في معجزات الخلق و الكون.
الآن، يستفيد عدد غفير من المغاربة من الانترنيت المجاني أو شبه المجاني في الكثير من المنازل، و هذه فرصة ذهبية للإستفادة من المنجم الهائل من الفرص و المحتويات الراقية و المعارف العالمية التي يوفرها ( الكتب الصوتية، المكتبات الإلكترونية المجانية، المواد الترفيهية، الكبسولات و المحاضرات الأكاديمية…)
الحصة الثانية تشمل البدن و المقصود بذلك المواظبة على التمارين الرياضية حتى في غياب آلات و معدات اللياقة البدنية.. ان الحركات البسيطة التي يقوم بها الشخص كل يوم و لو لمدة لا تتجاوز ال 30 دقيقة، لها اسهامها الكبير في تحسين المزاج و الرفع من المناعة، و من امثلتها : المشي و تمرينات التنفس، الى جانب تمرين التأمل الذي يرفع من الطاقة الإيجابية لكل شخص.
الحصة الثالثة تشمل الروح، أي كل ما له علاقة بالأنشطة الروحانية : الصلاة، التعبد، اخراج الصدقات، العمل الخيري، الذكر، الفكر، التأمل، الإمتنان و الابتهال للخالق أن يرفع الوباء و البلاء عن البلاد و العباد.
الحصة الرابعة تشمل الحياة الاجتماعية و من امثلتها : تبادل الزيارات العائلية، مساعدة الفقراء و المحتاجين، العمل التطوعي، و الأهم من كل هذا و ذاك، صلة الارحام و لو برسالة على الواتساب او بتغريدة في الفيسبوك او ببضع مكالمات هاتفية كل اسبوع أو شهر مع الاصدقاء و الجيران و العائلة و ذوي القربى..