لقد شهد التاريخ السياسي للمغرب المستقل – في مختلف فتراته – حركة مد و جزر بين المكونين الإعلامي و السياسي ، و قد عكست كل فترة من هذه الفترات الأوضاع السياسية و الاقتصادية بل والاجتماعية التي شهدها المغرب أنذاك ، حيث سعت الدولة عبر أجهزتها الرسمية و الإيديولوجية إلى إبعاد الصحافة و الإعلام عن مجال الممارسة و الانتقاد السياسيين ، ولعل ما يعزز ذلك إيقاف و إغلاق ومصادرة عدد من الصحف و الجرائد التي كانت لا تساير التوجه الرسمي.
إضافة إلى التذبذب الذي كان يعرفه إلحاق وزارة الإعلام و الاتصال كقطاع وزاري ، فتارة كانت تلحق بوزارة الثقافة و الصناعة و تارة أخرى يتم إلصاقها بوزارة الداخلية كما حدث في عهد وزير الراحل الحسن الثاني القوي ” إدريس البصري “.
ومع نهاية التسعينات و عقب تولي الملك الحالي محمد السادس العرش خلفا لأبيه المتوفي ، ظهرت البوادر الأولى لانفراج سياسي و تطبيع رسمي بين الإعلام و السياسية ، عقب تعديل قانون الصحافة سنة 2002 و صدور مرسوم تحرير قطاع البث السمعي البصري من سيطرة الدولة في نفس السنة .
و هو ما أذن بفتح صفحة جديدة من تاريخ علاقة الإعلامي بالسياسي عنوانها الأبرز التنصيص على الحريات العامة خاصة حرية الرأي و التعبير و حرية الصحافة في إطار ما عرف ب”العهد الجديد” .
غير أن هذه الصفحة سرعان ما مزقت عقب اعتقال عدد من الصحافيين لمجرد انتقادهم أشخاص مقربين من مراكز القرار في الدولة ، فقد تم في السنة الموالية لتعديل قانون الصحافة أي سنة 2003 اعتقال الصحفي الكبير علي لمرابط ، و عدد من الصحفيين و الحقوقيين ، و دخل المغرب مجددا في فترة أخرى تميزت بالاحتقان و المشاحنة في العلاقة بين الإعلام و السياسية ، و علاقة هذه الأخيرة بعموم المواطنين .
و مع الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب سنة 2011 على غرار عدد من الدول العربية ، و الإصلاح الدستوري و صعود الإسلاميين للحكم ، إبان تولي عبد الإله بن كيران رئاسة الحكومة ، بدأ الإعلام و الصحافة المغربيين يهتمان بالشأن السياسي من خلال مواكبة النشاط الحكومي والحزبي ، وهو ما يعكسه عدد المنابر الإعلامية و المقالات الصحفية التي كانت تواكب كل خرجة إعلامية لرئيس الحكومة أنذاك ، خاصة و أن شخصية وكاريزما بن كيران و جرأته السياسية أو ما يسمى في لغة السياسية ب “الشعبوية الشفافة” ساعدت في جعله ومعه الحكومة و العمل السياسي محط أنظار و اهتمام وسائل الإعلام ، وقد شهدت فترة حكم الرجل انفراجا نسبيا للصحافة التي تمتعت بحرية كبيرة في انتقاد السياسات الحكومية .
و هو ما غاب في فترة حكم خلفه سعد الدين العثماني و الذي شكل في عديد خرجاته مادة للسخرية و التهكم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، كما أن فترة حكم العثماني شهدت تقهقرا للوضع الصحفي و الحقوقي بالمغرب ، خاصة في السنوات القليلة الماضية و التي عرفت اعتقال مجموعة من الصحفيين و الحقوقيين بتهم تتفق أغلبها في طابعها الجنسي ، في محاولة لإقبار الأصوات والأقلام المزعجة
و هو ما دشن فترة سوداء في تولي الحزب الإسلامي للحكومة ، و لعل المؤشرات الدولية المتدنية التي احتلها المغرب في مجال حرية الصحافة و تقدم دول تشهد حروب أهلية على المملكة خير دليل على الوضعية الحقوقية المأساوية للمغرب ، و هو ما ينذر بموت صاحبة الجلالة و إعادة تكرار لسيناريو سنوات الجمر و الرصاص كفترة سوداء في تاريخ المغرب المستقل .