كان الأستاذُ يعدّ محاسن ابن كيران بكلّ فخرٍ كما تعدّ الأمّ الحنون خِصَال أبنائها البررة؛ وكانَ في كلّ مرة ينتقدهُ واحدٌ من طلاّبه يجيبه بلازمةٍ، من فرط تكرارها ترسّخت في أذهاننا: ” ابن كيران ترانْ ترانْ”.
كان يقصد بذلك أنّ الأمين العام السابق لحزبِ المصباح رجلُ صادقٌ وأنّ ” ما على لسانه على قلبه”.
مرّتِ السنوات بسرعة واكتشفتُ أنّ ما كانَ يردّده الأستاذ حقيقةٌ لا ريبَ فيها وأنّ الرجل ليس فقط قطاراً عاديا، بل قطارا فائق السّرعة، نعم سرعتهُ في الكلام والمراوغة ومهاراته في البكاء مكّنتهُ من التأثير في نفوس المغاربة، قِضّهم وقَضِيضِهم؛ فقالوا عن سبقِ إصرار ونيّة صادقة ساذجة ” إنّه الرجل المناسب الذي أتى ليُنسينَا ما فعلته بنا الحكومة السّابقة.
كانَ الرّجل ماهراً في استمالة قلوبِ المستمعين بترانيمه الشّجيّة وضحكاتهِ العجيبة وتدخلاته الّتي يُسكت بها خصومه السّيّاسّيين هنا وهناك، تقريبا كما يفعل ” ميسي” في ” الكامب نو”.
المغاربة، وأستاذي الذي أحترمه أوّلهم، صدّقوا يقينا أنّ الرجل لا يهمّه منصبٌ ولا تجذبه شهرة زائفةٌ زائلةٌ وأنّ همّه الأعظم وهدفه الأكبر إنّما هو خدمة المواطن المغربي والدّفاع عن حقوقه.
ابن كيران ” ترانْ ترانْ”، ذلك أنّه نجح في إقناع ركابه بأنّ الوجهة التي يقصدها جنةٌ ناضرة وارفة الظلال تشرئبُّ إليها الأعناقُ اشرِئبَاباً وتخفق لها نفوس المغاربة أجمعين
ابن كيران تمسكَن حتّى تمكّن فحرّبَ السّنَان وبنى العرائنَ وشيّد لنفسه الجنائنَ. قلتَ وقولكَ عليك شاهدٌ أنّك لن تذوق سمنا ولا عسلاً حتى يشبع المغاربة .
قلت ولمْ تفعل ووعدتَ ولم تفِ. ملأت بطنكَ عسلاً وجَيبكَ نقوداً. استعنتَ بآياتٍ من القرآنِ وبسِيّرِ الصّالحين وبأقوال الشّعراء الأقدمين بُغيةَ إصابة الوَتر الحسّاس، وقد نجحت في مسعاك وبلغتَ مُبتغاك.
خنتَ العهدَ ونقضتَ الميثاق؛ فاعلم أنّك اخترت أن تُسجّل اسمك في التّاريخ بلون أسودٍ ضمن أكبر لائحة :من وعدَ ولم يرعَ العهدَ”. اعلم أنّ المداد الذي كُتب به هذا الغدرُ لا يُمحى. أرجو أن يكون أستاذي الذي أحترمه أوقف مدحهُ بعد أن رأى رأيَ العين كلّ ما فعله صاحبُ المصباح القاتم بآمالِ الم