ما تشهده إيران من احتجاجات منذ وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني بعد احتجاز الشرطة لها لعدم التزامها بالزي الإسلامي لم يسبق له مثيل، خاصة بعد اتساع نطاقها؛ حيث انتشرت الآن إلى أكثر من 85من المدن الكبيرة والصغيرة.
وقال المحلل الإيراني الدكتور جواد حيران نيا في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، إنه على عكس احتجاجات عام 2009، التي اعترض فيها الإيرانيون على شرعية الانتخابات ، أو احتجاجات عامي 2017و2019، التي كانت أسبابها قضايا اقتصادية وقام بتنظيمها في المقام الأول الفقراء، تعد الاضطرابات الحالية أكثر انتشارا، وأدى الغضب إلى توحيد كل الفئات الاجتماعية الإيرانية .
وأضاف حيران نيا ، مدير مجموعة دراسات الخليج العربي في مركز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط في إيران، أن القضايا الاجتماعية والسياسية تلاقت في حقيقة الأمر خلال الاحتجاجات التي بدأت الشهر الماضي، وأن ما بدأ وكأنه غضب ضد الحجاب الإلزامي تطور إلى غضب واسع النطاق ضد النظام الحاكم.
وصرح عماد أفروغ ، الرئيس السابق للجنة المركزية لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان) لموقع جماران نيوز الإخباري أن الاحتجاجات تطالب بالمرونة بشأن الحجاب وبالنسبة للنظام بشكل عام.
وقال أفروغ إن الإيرانيين يطالبون أيضا بتغيير واسع النطاق بسبب انتشار الفقر والظلم والبطالة والتمييز . مضيفا أن المجتمع الإيراني غارق في المشاكل ويبحث عن حلول.
وكان للشعار الرئيسي للاحتجاجات “المرأة ،الحياة ،الحرية ” دلالة قوية أيضا . فقد لعبت النساء دورا محوريا في الاحتجاجات وشجعت طلباتهن لإجراء إصلاحات على ظهور وعي اجتماعي جماعي بالتحديات التي تواجهها النساء الإيرانيات.
والطلبات الكاملة للمحتجين واسعة النطاق ، فهى شاملة وجامعة حيث تتضمن قضايا تخص الرجال أيضا. وتتعلق الاحتجاجات الآن بالحقوق التي تخص كل الإيرانيين.
وأضاف حيران نيا أن قادة الاحتجاجات ليسوا فقط من الطبقة الوسطى ، ولكن أيضا من الشباب الذين يبلغ متوسط اعمارهم ما بين 17و 20 عاما.
وحظى وجود هؤلاء الشباب أيضا بالإعجاب من جانب غيرهم من الإيرانيين . فعلى سبيل المثال ، أشادت شخصيات عامة مثل نصرالله حكمت ،وهو فيلسوف إيراني وسورش سيحات ، وهو مدير ، بالطلبة وبمشاركة الشباب في الاحتجاجات ،مشيرين إلى أنهم “تعلموا دروسا “من شجاعتهم”.
ولكن لماذا يعارض الشباب الإيراني اليوم بجسارة وبجرأة ويتحاشى النهج المحافظ ؟ .في حقيقة الأمر، ترى أستاذة الإعلام شاهيندوخت خارازمي أن هذا الجيل نشأ في عصر الوعي المستدام والرقمنة ،وتقول إنهم تعلموا كيفية التعامل مع مطالبهم والسعي لتحقيقها من خلال ألعاب الفيديو.
وقالت إن هذا الجيل مستعد ليواصل اللعب حتى الفوز. ولايستطيع المرء التحدث مع هذا الجيل بلغة فرض القيود ويتوقع أن ينجح.
وتابع حيران نيا أن من الملاحظ أن المحتجين لم يدعوا إلى إصلاح النظام السياسي الإيراني الحالي ،مما يظهر كيف زاد الشعور بالإحباط، وبصفة خاصة بين أبناء الطبقة الوسطى ازاء خطاب الإصلاحيين. وفي الحقيقة، يعتبر شباب اليوم منفصلين بشكل كبير عن الحركة الإصلاحية.
وينتمي معلمو شباب اليوم إلى حقبتي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، الذين أمضوا فترة طفولتهم ومراهقتهم في ظل حالة حرب ، وفي مساحات مغلقة وقيود سياسية واجتماعية. وذكر حيران نيا أن هذا جيل نشأ في غياب الإنترنت ولم تكن لديه الإمكانية لمقارنة نفسه بالعالم ، وحدثت احتجاجاته في غياب قنوات داخلية أو خارجية يمكن من خلالها سماع صوته.
وكانت مشاركة الطبقة الوسطى في الانتخابات الرئاسية عام 1997 أول مظاهرة واسعة النطاق لهم ضد النظام السياسي القائم . وكانت تهدف لإصلاح النظام.
غير أن هذا المسعى فشل: فقد أدار الإصلاحيون في السلطة ظهورهم لمثلهم العليا، وفضلوا البقاء في السلطة على تلبية الطلبات الحقيقية للشباب.
وتابع حيران نيا أن هذا أسفر عن شعور الإيرانيين من الطبقة الوسطى بخيبة الأمل بشأن النهج الإصلاحي وتجاه الإصلاحيين وحتى خطاب الاعتدال الذي قاده الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني.
وهذه القضية كشفت عن نفسها في الانتخابات البرلمانية عام 2020والانتخابات الرئاسية عام 2021،عندما أوضح قرار الإيرانيين من الطبقة الوسطى بمقاطعة الانتخابات شعورهم بخيبة الأمل أزاء النهج الإصلاحي.
والأن، يعرب أبناء هذا الجيل ، وهم شباب العقد الأول من القرن الحالي ، عن احتجاجهم ضد النظام السياسي بطريقتهم.
وهذا جيل منفصل عن التاريخ العام لجيل آبائهم الذي سعى لدعم الحركة الإصلاحية. وهذا الجيل لم يلعب أي دور في النظام القائم ، فهو ضحية فقط.
ووفقا للمنظر الإيراني مقصود فراساتخه ، تم حرمان شباب اليوم من حرية اختيار أسلوب حياتهم والعثور على وظيفة مناسبة والعيش في ظروف اقتصادية مواتية.
وقال مقصود إنه بدلا من ذلك ،فإنهم يعيشون في حالة تضخم متفش وانعدام المساواة بين الجنسين، وانعدام المساواة الدينية، وقمع اجتماعي وسيطرة على المعلومات. وأصبحت سياسة حياة الشباب هي سياسة المقاومة.