لم تكن نشرة الأخبار الرئيسية في القناة التلفزية الأولى ليوم 26 فبراير 2025 كباقي النشرات التي اعتاد المغاربة على تتبعها فقد حملت معها القرار الملكي القاضي بإلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد هذا العام والذي نزل بردا وسلاما على فئات عريضة من المجتمع المغربي، فيما تطلع مربو الماشية الى المبادرات التي ستتخذها السلطات الحكومية المعنية لدعمهم لمواجهة الصعوبات التي تعترضهم جراء هذا القرار والمرتبطة أساسا بغلاء الأعلاف وتسويق رؤوس الأغنام التي في حوزتهم .
في خطوة لافتة تحمل أبعادا اقتصادية واجتماعية وإنسانية ، حرص صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، في الرسالة السامية الموجهة إلى الشعب المغربي والتي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق على أن يهيب بالمغاربة إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة بالنظر إلى ما يواجه المغرب من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية.
إحصاء شامل للماشية
لا شك أن اتخاذ هذا القرار لم يأت محض صدفة بل جاء بعد دراسة وتقييم للأوضاع الإقتصادية للفئات المجتمعية لاسيما ذات الدخل المحدود والطبقة المتوسطة وبناء على إحصائيات وأرقام تهم القطاع الفلاحي والقطيع الوطني من الماشية وتندرج في ذلك عملية الإحصاء الشامل الخاص بالماشية لسنة 2024 التي تم اطلاقها في شهر دجنبر من السنة الفارطة.
وتهدف عملية الإحصاء الشامل الخاص بالماشية التي جرت في إطار اتفاقية شراكة مبرمة بين وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والجمعية المغربية لمربي الأغنام والماعز إلى الوقوف عند خصائص القطيع الوطني وتشكيلة السلالات المحلية من الأغنام والماعز إضافة الى منسوب تطورها في سياق يعرف توالي سنوات الجفاف.
وسبق لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أن كشف في منتصف شهر فبراير الماضي عن تسجيل تراجع في أعداد القطيع الوطني بنسبة 38 في المائة مقارنة مع سنة 2016، التي شهدت آخر إحصاء وطني للفلاحة .
وأشار الوزير في لقاء صحفي عقب انعقاد مجلس الحكومة إلى أنه تم إعداد برنامج شامل لدعم قطاع الإنتاج الحيواني بسبب هذا التراجع في القطيع على الصعيد الوطني.
رأي الخبراء والمهنيين
وفي تفاعلهم مع هذا القرار أبرز عدد من الخبراء الإقتصاديين في تصريحات صحفية وجاهة القرار الملكي المتعلق بإلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد هذا العام لعدة عوامل أهمها الانخفاض الملموس في عدد رؤوس الأغنام والماعز الموجهة للذبح خلال عيد الأضحى بأكثر من 38 في المئة ، جراء توالي سنوات الجفاف على المغرب .
وفي هذا الصدد اعتبر الخبير الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق الخبير في قانون الأعمال والاقتصاد أن قرار تعليق شعيرة ذبح أضحية العيد يرتبط بالسياق الاقتصادي وخاصة وضع القطيع المغربي الذي وفقا للإحصاء الأخير الذي قدمته وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات فإنه فقد 38 بالمئة من حجمه، علما أن المغاربة يستهلكون خلال فترة عيد الأضحى أكثر من 5 ملايين رأس من الماشية مما قد يؤدي إلى انهيار القطيع الوطني بشكل كبير.
وأمام هذا الوضع يضيف الخبير الاقتصادي، اتخذ صاحب الجلالة هذا القرار حفاظا على استمرارية القطيع الوطني وحفاظا أيضا على القدرة الشرائية للمواطنين خاصة بعد تفاقم مسألة المضاربات وارتفاع أثمان اللحوم بشكل كبير على المستوى الوطني مما ينذر أيضا بارتفاع أسعار الأضاحي خلال فترة العيد وذلك بالرغم من الإجراءات التي تتخذها وزارة الفلاحة.
ووأوضح أن القرار الملكي كانت له تداعيات إيجابية لا سيما فيما يتعلق بانخفاض واستقرار أسعار اللحوم وفي نفس الوقت إعادة تكوين وتشكيل القطيع المغربي وتجديده مبرزا أن ذبح الأضاحي هذا العام كان سيشكل إرهاقا للأسرالمغربية المنهكة أصلا من أزمة التضخم وارتفاع الأسعار لذلك تلقى المغاربة عموما هذا القرار بصدر رحب لأنه سيعفيهم من أعباء مالية اعتادوا إنفاقها في مثل هذه المناسبات.
كما أن من شأن استهلاك 5 ملايين رأس من الماشية، يستطرد الأستاذ الأزرق، سيؤدي إلى انهيارالقطيع الوطني وبالتالي ندرة اللحوم بالأسواق المغربية وارتفاع أثمانها إلى مستويات قياسية قد تتجاوز ال 200 أو 300 إلى 400 درهم للكيلوغرام الواحد هذا إن توفرت.
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي، محمد جدري أن إلغاء شعيرة ذبح الأضحية هذه السنة سيساهم في التخفيف من الضغوط الاقتصادية بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار اللحوم إلى مستويات قياسية تجاوزت 120 درهما للكيلوغرام ، مقابل تأثر بعض الفئات التي تعتمد على هذا الموسم في مداخيلها، ما يستدعي من الحكومة وضع آليات لدعم المتضررين وضمان استقرار القطاع خلال الفترة المقبلة .
ومن جهته، دعا رشيد ساري، محلل اقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة إلى دعم الكسابة المتضررين كإجراء أولي، لتعويضهم عن الخسائر الناتجة عن توقف بيع الأضاحي، مؤكدا أن هذا الدعم يظل ضروريا للحفاظ على استقرار هذه الفئة التي تعتمد بشكل كبير على موسم العيد.
كما اقترح وضع استراتيجية تركز على دعم القطيع المحلي وإعادة إحياء السلالات المغربية التقليدية التي تتميز بكفاءة أعلى في التوالد واستهلاك أقل للأعلاف مقارنة بالسلالات الهجينة.
بدوره اعتبر عبد الرزاق الهيري، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، أن من شأن إلغاء أضحية العيد لهذا العام المساهمة في تجاوز الاختلالات التي يعانيها قطاع تربية الماشية المرتبطة بالتغيرات المناخية، كالجفاف، الذي أدى إلى تدهور الثروة الحيوانية، بشكل ملحوظ.
وشدد الهيري، على أن هذا القرار “يمكن أن يكون نقطة انطلاق لإعادة بناء الثروة الحيوانية إلى مستوياتها السابقة”، مبرزا في السياق ذاته “ضرورة مواصلة الإجراءات المنصوص عليها في قانون المالية 2025، مثل تشجيع استيراد الأغنام واللحوم لتخفيف الضغط على الإنتاج الوطني”.
وفي إطار إعادة تكوين القطيع الوطني وضمان هيكلة أفضل للإنتاج الحيواني، أعلنت وزارتا الداخلية والفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، في دورية مشتركة، عن قرار منع ذبح إناث الأغنام والماعز، من شهر مارس الجاري إلى نهاية مارس من العام المقبل، بعد أن أدى توالي سنوات الجفاف التي شهدها المغرب إلى تراجع الإنتاج الوطني لقطعان الأغنام والماعز ما دفع بعض المربين إلى تقليص أعداد قطعانهم عبر ذبح الإناث المنتجة، وهو ما قد يهدد استدامة قطاع تربية الماشية في المستقبل.
عبد الرحمن المجدوبي، رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز وصف قرار منع ذبح إناث الأغنام والماعز ب”العملي” ، للحفاظ على القطيع الوطني الذي يعرف تناقصا كبيرا، لكنه يجب أن يترافق مع إجراءات لدعم مربي الماشية .
وأشار إلى أن مطالب مربي الماشية “الكسابة “تتمثل في زيادة نسبة الدعم المخصص للأعلاف، ومنح إعانات خاصة بالإناث لتجنب عرض نسبة منها للبيع، إضافة إلى وضع حلول للقروض التي تثقل كاهل المربين، خصوصا الصغار منهم، سواء بالنسبة للأبناك أو لمموني الأعلاف.
ضربة لتجار الأزمات “الشناقة” وارتياح في صفوف فئات عريضة من المجتمع
إذا كان قرار إلغاء ذبح الأضحية هذا العام قد خفف على فئات عريضة من المجتمع وقلب حسابات كثيرين من “الكسابة” فإنه بالمقابل شكل ضربة موجعة للمضاربين وتجار الأزمات من ” الشناقة” الذين يستغلون هذه المناسبة الدينية وتداعيات الجفاف للاغتناء السريع لاسيما أن أثمان الأضاحي خلال السنة الفارطة شهدت مستويات قياسية ألحقت ضررا بالأسر الفقيرة والمتوسطة التي وجدت نفسها في حرج كبير بسبب غلاء الأضاحي التي تجاوزت أسعارها حاجز 5000 درهم في عدة مناطق.
ووفق تقارير اقتصادية، فإن إلغاء هذه الشعيرة الدينية من شأنه أن يتسبب لكثير من “الكسابة” في أضرار مادية، لا سيما الذين عملوا على الاستثمار في رؤوس الماشية المعدة للذبح بهذه المناسبة التي تعتبر بالنسبة لهم موسما رئيسيا يحققون خلاله جزءا كبيرا من مداخيلهم السنوية .
من جهة أخرى،لم يمر قرار إلغاء ذبح الأضاحي هذا العام دون تداعيات خارجية، إذ كشفت مصادر مهنية عن حالة استياء في أوساط أرباب ضيعات المواشي بإسبانيا، الذين وجدوا أنفسهم في “ورطة” بعد إلغاء الطلبات التي قدمها المغاربة، لاسيما أن بعضهم تلقى تسبيقات بمبالغ مالية ضخمة، قبل أن يفاجَؤوا بالقرار الملكي .
في استقراء للأراء ، عبر مواطنون كثر سواء في أماكن عمومية وبعض الأسواق وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي التي عجت بالتعاليق، عن ارتياحهم المشروع إزاء هذا القرار ، الذي وضع حدا لجشع ” الشناقة” الذين دأبوا على جعل أثمان المواشي تحلق عاليا لاسيما في الثلاث سنوات الأخيرة التي شهدت موجة ارتفاع الأسعار بسبب التضخم العالمي الذي يلقي بظلاله على الاقتصاد الوطني.
للتاريخ، لم يكن قرار إلغاء ذبح أضاحي العيد وليد اللحظة، فقد سبق أن اعتمد المغرب هذا الإجراء المماثل في سنوات 1963 و1981 و1996 بسبب تحديات استثنائية اقتصادية ومناخية واجهت البلاد وكانت الرؤية الملكية الإستباقية في الموعد حفاظًا على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد .
واليوم يتزامن القرار الملكي بانفراج أسارير سماء المغرب وعودة أمطار الخير مبشرة بقدوم موسم فلاحي جيد قد ينسي المغاربة سنوات الجفاف ويجعلهم يستشرفون الغد بعيون كلها أمل وتفاؤل بعودة عيد الأضحى بكل طقوسه وعاداته وفي مقدمتها ذبح الأضحية لما لها من دلالات دينية واجتماعية في قلوبهم ووجدانهم.