بعد ستة أشهر من عدم الاستقرار السياسي ووسط جدل حاد لم تشهد مثله اسبانيا منذ زمن بعيد، حاز الاشتراكيون الاسبان على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب مما يفتح أمامهم الأبواب أمامهم لولاية ثانية للحكومة. ولقد تمكن سانشيز من تحقيق ذلك الإنجاز وتفادي الرجوع لصناديق اقتراع غير مأمونة النتائج، بعد مفاوضات عسيرة امتدت على مدى شهور في بروكسيل ما بين سانطوس سردان القيادي في الحزب الاشتراكي وكارل بيكمونت الرئيس السابق للحكومة الكاتالونية الذي يعيش في المنفى منذ 2017.
الاتفاق المذكور الذي ضمن تصويت البرلمانيين الكاتلونيين السبعة (بما يوفر الأغلبية المنشودة)، بالإضافة إلى تعبيرهم عن رغبتهم في استكمال النقاش حول موضوع القانون طبقا للقانون، جاء مقابل موافقة الحزب الاشتراكي الاسباني على مشروع قانون ينص على التمتيع بالعفو العام زهاء 300 شخص كانوا موضوع مساطر أو قرارات قضائية بعد الاستشارة الانفصالية لسنة 2014 والاستفتاء اللاشرعي لفاتح أكتوبر 2017، كما يتوقع أن يستفيد من مشروع القانون المذكور المحكومين في أعمال العنف المرتكبة بكاتلونيا سنة 2019. إضافة إلى إجراءات العفو العام سيحقق الاتفاق المذكور مكسبا ماديا مهما يتجسد في إلغاء 20 بالمائة من الديون الكتالونية، أي ما يناهز مبلغ 15 مليار أورو.
كرد فعل مباشر على الاتفاق المذكور دعا الحزب الشعبي وباقي الاتجاهات اليمينية والمحافظة في إسبانيا إلى مظاهرات شعبية صاخبة تنديدا بالاتفاق المذكور معتبرة أن سانشيز ” رضخ لابتزاز الانفصاليين”، وبأن مضامين الاتفاق “لا دستورية”، وبأن سانشيز “خدع” ناخبيه لأن البرنامج الانتخابي الذي تقدم به الحزب الاشتراكي في يوليوز 2023 لم يتطرق لهاته النقطة الحساسة، كما أن مخاطر بروز خلافات جديدة مع الحليف الكاتالوني بشأن كيفية تطبيق الاتفاق، كل ذلك سيجعل الأغلبية الحكومية الجديدة والحياة السياسية الاسبانية عموما مرشحة لتعيش على صفيح ساخن خلال الأشهر القادمة.
بارتباط مع الموضوع اعتبر الأستاذ جمال الدين مشبال دبلوماسي السابق وخبير في العلاقات المغربية الاسبانية في تصريح صحفي لموقع “لوبوكلاج” بأن ” النظام السياسي والترابي الاسباني مغاير للنموذج الفرنسي المتميز بالمركزية اليعقوبية، بحيث أنه عكس فرنسا يسمح بتأسيس أحزاب ذات طابع جهوي، وهو ما يتجلى في وجود أحزاب جهوية قوية وذات تأثير لا يقتصر فقط على مستوى المحلي أوالجهوي وحسب بل حتى على مستوى التمثيل في البرلمان الوطني”.:ويضيف الديبلوماسي السابق ذ. جمال الدين مشبال:” تجدر الإشارة والانتباه لكون الحزب الشعبي هو الرابح في الانتخابات التشريعية الأخيرة بدون منازع حيث حصل على 136 مقعد و 8 مليون صوت. بينما الاشتراكي جاء في المرتبة الثانية حيث حصل على 122 مقعد و7,7 ملايين صوت. لكن الحزب الشعبي الرابح لم يتمكن من الحصول على الأغلبية البرلمانية فلم يحظى سوى على تأييد حزب Vox الذي له 33 مقعد و UPNاتحاد شعب نفارا له صوت واحد.
وعند هذا الفشل كلف الملك الاشتراكيين بتأليف الحكومة. فكان على سانشيز ان يحصل على ثقة 8 أحزاب الأخرى ليتوفر على الأغلبية البرلمانية المنشودة. وهكذا الرابح أصبح خاسرا بينما الخاسر استطاع الحصول على ثقة الاحزاب التي تمثل 12 مليون ناخب. هكذا أجرى سانشيز مفاوضات مطولة وشاقة مع ثمانية أحزاب جهوية بعضها انفصالية في كاطلونيا مثل حزب اليسار الجمهوري الكطالاني الذي يتوفر على 7 مقاعد في البرلمان الاسباني وجونتس الأكثر تطرفا وله أيضا 7 مقاعد في البرلمان الاسباني، وحزب بيلدو بإقليم الباسك بجهة الباسك الذي يتوفر على 6 مقاعد، إضافة لحزب أقصى اليسار سومار الذي كانت تمثله في الحكومة السابقة وزيرة الشغل يولاندا دياز، مكنت الحزب الاشتراكي من الحصول على دعمها مقابل أن يتضمن البرنامج الحكومي المقبل العديد من مطالبها”.
وعن الآفاق السياسية التي تفتحها التحالفات السياسية للحزب الاشتراكي وخصوصا قانون العفو عن الانفصاليين الكاتالونيين، اعتبر ذ. جمال الدين مشبال “كان هناك انسداد سياسي في إقليم كاتلونيا تسبب فيه من جهة حكومة الحزب الشعبي بقيادة راخوي، والأحزاب الانفصالية الكاتلونية من جهة ثانية، بلغ أوجه في استفتاء الانفصال لسنة 2017 وما اتلاه من اضطرابات واعتقالات ومتابعات. من هنا كان لابد ملف المتابعين والمعتقلين عن طرف إصدار عفو شامل (بإلحاح من الأحزاب الكاتلونية) قصد كسب أصواتهم في البرلمان، وفتح آفاق سياسية جديدة تضمن الانفراج والاستقرار في جهة كاتلونيا”.
لذا أعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد انفتاحا وصلاحيات اقتصادية أفضل للجهات بما فيها كاتلونيا بطبيعة الحال، دون أن يعني ذلك بأن النزعات والدعوات والتعبيرات السياسية عن الانفصال ستختفي بل سيتم التعبير الرئيسي عنها عبر القنوات القانونية ومن خلال الدستور، والأكيد أن الرابح الأكبر سيكون هو النظام الديمقراطي البرلماني في إسبانيا”.