من بين القضايا التي ناقشتها رئيسة الهيأة العليا للاتصال للاتصال السمعي البصري الدكتورة لطيفة أخرباش مع نظيرها الإيفواري روني بورجوان ، خلق لجنة مشتركة للمتابعة القانونية للتطورات الرقمية لوسائل الإعلام السمعية بصرية في كلا البلدين.
المثير في هذا اللقاء الذي حضره المدير العام للهيئة العليا للاتصال للاتصال السمعي الدكتور بنعيسى عسلون، الحديث عن تعزيز مهارات متعهدي السمعي البصري الأفارقة ، وتجارب تنظيم و ضبط إذاعات و قنوات الويب.
ضبط وتقنين إذاعات و قنوات الويب قد يثير جدلا كبيرا بل احتجاجات قوية من طرف ناشطي منصات التواصل الإجتماعي، رغم أن المقصود من هذه الصيغة، كما وضح لموقع ” لوبوكلاج ” أحد مسؤولي الهاكا ، هو الخدمات الإذاعية و التلفزية المرخص لها و ليس الوصلات المتاحة للعموم و التي يطلق عليها الويب تي في و الويب راديو.
لأن القانون المتعلق بالاتصال السمعي البصري يتضمن مجموعة من المقتضيات القانونية التي حددت مفهومي الإذاعة والتلفزة، فيقصد ب
الخدمة الإذاعية: كل خدمة اتصال مع العموم معدة للاستقبال، في نفس الوقت، من طرف العموم أو فئة منه، والتي يتكون برنامجها الرئيسي من تتابع منتظم من البرامج المحتوية على أصوات؛
الخدمة التلفزية: كل خدمة اتصال مع العموم معدة للاستقبال، في نفس الوقت، من طرف العموم أو فئة منه، والتي يتكون برنامجها الرئيسي من تتابع منتظم من البرامج المحتوية على صور وأصوات(…).”.
ويتبين من مضمون هذه المقتضيات القانونية أن نظام الترخيص الذي جعله المشرع من بين الأنظمة المحددة لشروط ولوج المبادرة الخاصة في المجال يؤطر جميع الخدمات متى كانت مسترسلة، ويتكون برنامجها الرئيسي من تتابع منتظم من البرامج المحتوية على صور و/ أو أصوات.
على هذا الأساس، يكون تدخل الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري في تقنين الخدمات المقدمة عبر الأنترنيت من خلال:
-بث الخدمات التلفزية أو الإذاعية المرخص لها، المقدمة من قبل المتعهدين بطريقة مماثلة عبر الأنترنيت في الوقت نفسه و/ أو بفارق في التوقيت.
– بث الخدمات التلفزية أو الإذاعية عبر الأنترنيت والحاصلة على ترخيص، (الخدمات المعدة للاستقبال، في نفس الوقت، من طرف العموم أو فئة منه، والتي يتكون برنامجها الرئيسي من تتابع منتظم من البرامج المحتوية على أصوات).
أما بالنسبة للمحتويات السمعية البصري، التي تقدمها منصات تقاسم الفيديو (YouTube, Dailymotion …)، فهي لا تندرج ضمن مجال اختصاص الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، وهو نفس الأمر بالنسبة للمواقع المقدمة لخدمات الصحافة الإلكترونية المنظمة بالقانون المتعلق بالصحافة والنشر، والتي قد تتضمن في جزء منها محتويات سمعية بصرية غير مسترسلة.
ومنذ سنة 2016 تخضع لنظام الإذن الخدمات السمعية البصرية حسب الطلب (غير مسترسلة) والتي تتيح، مقابل الأداء، مشاهدة البرامج في الوقت الذي يختاره المستعمل وبطلب منه انطلاقا من قائمة برامج. ويكون بذلك شرط الأداء محددا لمجال اختصاص الهيأة العليا اتجاه هذا النوع من الخدمات. أما الوصلات المتاحة للعموم والتي يطلق عليها WEB Tv/WEB Radio فهي لا تدخل في هذا النطاق.
نسجل هذا التوضيح الأساسي بين ما يجب ان تقوم به الهاكا و ما لا يدخل في اختصاصاتها. لأن اقتراب أية مؤسسة عمومية، و إن. كانت صاحبة الإختصاص، من الفضاء الرقمي و منصات التواصل الاجتماعي، تصطدم بمواجهة قوية من طرف الناشطين الرقميين الذين يعتقدون أن كل محاولة لتنظيم عالم النيت هو اعتداء على حرية الرأي و التعبير، و يقومون برد قوي على الجهة التي تعتزم القيام بأية مبادرة لتنظيم أو ضبط المحتويات الرقمية و السمعية البصرية على مختلف منصات التواصل الإجتماعي.
مدونة الصحافة والنشر، خاصة قانون 88.13، و بالضبط في الباب الخاص بالصحافة الرقمية لم يشر لا من قريب ولا من بعيد لإذاعات و قنوات الويب.
الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري التي تدار حاليا بشكل مهني وفعال من طرف عالمين متخصصين في مجال السمعي البصري، الخبيرين في الإعلام و الاتصال السيدة أخرباش و السيد عسلون، تتحدث عن إمكانية ضبط و تنظيم إذاعات و قنوات الويب و بالتالي ملء ذلك الفراغ الكبير الذي تركته مدونة الصحافة و النشر الصادرة سنة 2016.
مبادرة محمودة، و لكن نخشى أن يصطدم خبراء و حكماء الهاكا بما اصطدم به سنة 2013، مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة و التجارة و الاقتصاد الرقمي في حكومة بنكيران، عندما كان بعتزم تقدبم ” المدونة الرقمية ” قبل ان يتراجع بسبب ضغط الاحتجاجات من طرف ناشطي الفضاء الرقمي ضد ما اعتبروه تضييقا على حرية الرأي و التعبير و النشر عبر منصات التواصل الرقمي، لأن هذه المدونة الرقمية تعطي للدولة الحق في تنظيم و ضبط كل ما يجري عبر الأنترنيت.
يجب ان نتذكر أيضا العصيان الرقمي ضد قانون 20/ 22 السنة الماضية، الذي تقدم به وزير العدل محمد بنعبد القادر في حكومة العثماني، رغم المصادقة عليه من طرف المجلس الحكومي و الذي وصفه الناشطون في ال العالم الرقمي بقانون تكميم الأفواه.
إن صانعي المحتوى الرقمي عموما و المشرفون على إذاعات و خاصة على قنوات الويب أصبحوا جد متوجسبن من أية مبادرة لتدبير و تنظيم أو ضبط كل ما هو رقمي، خاصة بعد اعتقال المهندس الامريكي من اصول مغربية،صانع المحتوى الرقمي و اليوتوبير شفيق العمراني، الملقب ” عروبي في مريكان ” مازالت حاضرة بقوة في أذهان صانعي المحتوى الرقمي، لأن الشكاية التي تقدمت بها ثلاث مؤسسات أمنية مغربية ( المديرية العامة للأمن الوطني، المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (la DST) و المديرية العامة للدراسات والمستندات (la DGED) إلى النيابة العامة تقاضي فيها بعض صانعي المحتوى المغاربة في قنوات اليوتيوب بالخارج.
في ذات السباق، لا يجب أن ننسى محاصرة الدولة للإذاعات الجمعوية (les radios communautaires )، رغم أن الدولة رفعت احتكارها عن السمعي البصري منذ 2002 و حررت القطاع منذ حوالي عقد ونصف من الزمن، في الوقت الذي تعترف فيه ازيد من 100 دولة بهذه الإذاعات الجمعوية و تعتبرها قطاعا قائما بذاته في المشهد السمعي البصري.
من جهة ثانية نذكر أن وزير الاتصال السابق محمد نبيل بن عبدالله قال سنة 2006، عند افتتاح كرسي اليونسكو / أربكوم المغرب : ” ان الاعلان عن هذا الكرسي المتخصص في مجالى الاتصال العمومي و الجمعوي، مبادرة ستمكن من النهوض بالعمل الرامي إلى وضع إطار أفضل لإحداث الإذاعات الجمعوية”. لكن للأسف ذهب الوزير و ذهبت معه أحلامه.
هناك اتفاق مبدئي على أن عالم الويب لا يجب ان يترك هكذا دون تنظيم و مواكبة ، لكن كيف و بأية تكلفة؟ هذا هو الإشكال الذي يجب أن يفتح من أجله حوار وطني تشارك فيه كل الفعاليات العاملة والمهتمة بالميدان الرقمي.