
تسلط النسخة الحادية والعشرون من التصنيف العالمي لحرية الصحافة والإعلام الضوء على التطورات الرئيسية والجذرية التي يشهدها قطاع الإعلام، وما يصاحبها من عدم استقرار سياسي واجتماعي.
وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يُحتفى به في 3 من ماي، تُصدر مراسلون بلا حدود نسخة 2023 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي يُقَيِّم ظروف ممارسة النشاط الإعلامي في 180 بلداً، حيث تُظهر المؤشرات أن الوضع “خطير للغاية” في 31 بلداً، من بينهم إيران وسوريا والصين، وهكذا فإن ظروف ممارسة العمل الصحفي مُزرية بشكل عام.
تعتبر ظروف العمل الصحفي في أوروبا، وخاصة داخل دول الاتحاد الأوروبي، أسهل من الظروف التي يمارس فيها الصحافيون المهنة في أي منطقة أخرى في العالم، بحيث لا تزال منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط تحتل مراتب متأخرة في التصنيف، باعتبارها المناطق الأكثر خطورة على سلامة الصحافيين.
إذ يعتبر الوضع مخزي في كل من سوريا التي تحتل الرتبة 175 في تصنيف سنة 2023 واليمن في الرتبة 168 والعراق في الرتبة 167، كما تحتل فلسطين الرتبة156 من نفس العام.
ويعتبر مؤشر الأمن في فلسطين متدهورا للغاية، بسبب الاغتيالات التي تسجل في صفوف الصحافيين، وآخر اغتيال استهدف الصحافية الشهيدة شرين أبو عاقلة، أما المملكة العربية السعودية فقد احتلت الرتبة 170 وهي مرتبة متأخرة جدا.
وفي المغرب العربي، احتلت تونس الرتبة 121في تصنيف عام 2023، حسب ما كشف عنه التقرير السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود” بشأن حرية الصحافة. فقد تراجعت بشكل لافت في ترتيبها بين الدول على مستوى العالم، وتزامن ذلك مع تظاهرات العشرات من الصحافيين في تونس دفاعا عن حرية الصحافة، وذك بعدما كانت في المرتبة 73 عام 2021حسب معطيات ذات التقرير.
أما ليبيا فقد احتلت المرتبة 149 خلال هذا العام، هذا وتتراجع حرية الصحافة كل عام بشكل ملحوظ في ليبيا، وذلك راجع للفوضى والانقسامات السياسية والعسكرية التي تعيشها البلاد منذ سنوات والتي تجعل العمل الصحافي يشكل خطرا على الصحافيين، إذ يتعرض هؤلاء للخطف والسجن والمنع من الوصول إلى المعلومات.
وتحتل الجزائر المرتبة 136 في تصنيف عام 2023 لحرية الإعلام، بعدما احتلت المرتبة 134 عام 2022، والرتبة 146 عام 2021، ويفسر ذلك كون وسائل الإعلام المستقلة بالجزائر تتعرض للضغوط باستمرار ويُسجن الصحافيون أو يحاكَمون، ناهيك عن إجراءات الحجب التي تطال العديد من المواقع الإلكترونية. وبهذا فتظل من الدول التي يعتبر فيها الوضع صعبا بالنسبة للصحافي.
هذا وقد احتل المغرب الرتبة 144 في حرية الصحافة خلال عام 2023، بعدما احتل المرتبة 135 عام 2022، أي أنه تراجع بتسع مراتب خلال سنة واحدة. وقد احتل المرتبة 136 عام 2021، والمرتبة 135 عام 2019 و2018
وتعتبر مجموعة “خميسة النسوية” التابعة للأمم المتحدة حركة تدافع عن حرية الرأي والتعبير في مجال الإعلام بالمغرب، وقد تطرقت إلى قضايا مجموعة من الصحافيين، الذين تعرضوا للاعتقال وقيدت حريتهم أثناء ممارسة عملهم الصحفي،
ولطالما تجدد “حركة خميسة” مطالبها بإسقاط المتابعات في حق الصحافيين، وآخرهم الصحافية حنان باكور، التي رفعت عليها دعوة من قبل حزب رئيس الحكومة، حزب التجمع الوطني للأحرار، على خلفية تدوينة نشرتها على الفايسبوك. مطالبة السلطات المغربية بحماية حرية التعبير وفقا لما جاء في المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويقول إبراهيم الشعبي، رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان وأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، إن حالة الصحافة والإعلام بالمغرب بين مد وجزر، أي أنه لا يمكن الحسم في إشكالية حرية الإعلام هل هي جيدة أم سيئة، ولكن ما يمكن الحسم فيه هي أنها بين منزلتين، بعض الأحيان تكون متقدمة، وهناك هامش حرية ومساحة تعبير، وبعض الأحيان تضيق هذه المساحة، وبالتالي تغيب حرية الصحافة والإعلام.
ويؤكد الشعبي على أن حرية الصحافة بالمغرب مقلقة جدا حسب تقارير مجموعة من المنظمات الدولية كمراسلون بلا حدود، و
مضيفا “وإذا رأينا أيضا من جانب المنظمات والهيئات والنقابات الوطنية مثل النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومنظمة “حاتم”: منظمة الحريات والتعبير، فإنها تقول حسب تقاريرها الأخيرة، إن حالة حرية الإعلام صعبة جدا”.
“إلا أن هذا الوضع لا يمنعنا من أن نتحدث عن النصف المملوء من الكأس، وهو أن هناك اجتهادات قامت بها الدولة المغربية في العقدين الأخيرين، بخصوص حرية الإعلام ويتمثل ذلك في رفع الاحتكار على كل ما هو سمعي بصري، أيضا تأسيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عام 2002 ومنح رخص لمتعهدين خواص في القنوات والإذاعات،
كما يمكن أن نسجل إيجابية على مستوى التنظيم الذاتي للصحافيين بإنشاء المجلس الوطني للصحافة، ولكن في السنوات الأخيرة لا حظنا أن هناك تضييقا كبيرا على الصحافة والصحافيين، وعلى مساحة الحرية والتعبير في المغرب، بحيث لدينا صحافيون مسجونون بالسجن،
ولدينا مدونون مسجونون بالسجن، ولدينا متابعات ومحاكمات لأصحاب الرأي والتعبير سواء على مستوى الصحافة المكتوبة أو الصحافة الرقمية، أو على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويقول الأستاذ إبراهيم الشعبي، أنه لا يمكن الجزم في أن وسائل الإعلام المغربية تتمتع بمساحة آمنة للعمل من أجل المصلحة العامة أو لا، بحيث يجب أن نميز أولا بين أنواع وسائل الإعلام، فعندما نتحدث عن الإعلام الرسمي فيجب أن لا يتحدث إلا على المصلحة العامة، لأنها وجدت من أجل أن تدافع على المصلحة العامة، أما الإعلام الحزبي ولو أنه تراجع فهو يساهم في الدفاع عن المصلحة العامة للبلد، لأنه يعتبر واجب من واجباته..
ليبقى النقاش حول الصحافة الخاصة، بحيث بعض الأحيان تضيق مساحة التمتع بالأمن في الكتابة، لذلك هناك صحافيون مسجونون، خاصة في السنوات الأخيرة.
وفي هذا الصدد صرح الأستاذ يونس مسكين، صحافي وأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال أن الحديث عن حرية الإعلام في المغرب، ينبغي أن يتم في مستويين اثنين: الأول هو حرية الرأي والتعبير بصفة عامة، أي بمعناها الواسع الذي يشمل عموم المواطنين،
ثم حرية الصحافة بشكل خاص، وفي المستوى الأول، يقول ” هناك هامش كبير من الحرية من الناحية المبدئية، حيث يستفيد المواطن المغربي من إمكانات واسعة للتعبير عبر الوسائط الرقمية، دون أن تكون هناك عقبات أو عراقيل صريحة.
إلا أن ذلك لا يعني الغياب التام للقيود، إذ نجد حالات كثيرة لمتابعة وسجن مواطنين بسبب تعبيرهم عن آراء أو مواقف سياسية، وهي الحالات التي تلعب دور الكابح لعموم المواطنين، إذ يفكر المرء أكثر من مرة قبل أن يقدم على المشاركة في النقاش المفتوح.”
ويضيف “أما المستوى الثاني، فهو أكثر تعقيدا وأكثر معاناة من القيود والعراقيل، إذ تواجه الممارسة المهنية للإعلام عدة تحديات وعراقيل تحد من حريتها، منها ما هو قانوني (الجسر الموجود بين قانون الصحافة والقانون الجنائي ثم الفصول الصريحة في القانون الجنائي التي تتيح متابعة وسجن الصحافيين)، وأخرى ذات طبيعة اقتصادية تتمثل في الانهيار الذي يعيشه النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحافية،
والذي يجعل وسائل الإعلام تحت رحمة مصادر تمويل منتمية أو قريبة من السلطة ومراكز النفوذ، بالإضافة إلى التحديات الموضوعية المطروحة على الصحافة، من قبيل الحضور القوي للمنصات الرقمية وصعوبة اختراق حاجز الخواريزميات من أجل الوصول إلى الجمهور، وإغراق الفضاء العام بالمضامين الإعلامية غير المهنية والتي تضعف الثقة في الصحافة.”
إجمالا يمكن القول إن وسائل الإعلام في المغرب لا تتمتع بمساحة عمل آمنة، بل على العكس من ذلك، تواجه تحديات مركبة.
ويقول الصحافي المراسل بقناة الجزيرة، محمد البقالي “بالنسبة لحرية الإعلام بالمغرب من الواضح أنها ليست في أفضل حالاتها، فمعظم التقارير الدولية، تتحدث على أن حرية الإعلام بالمغرب عرفت تراجعات خلال السنوات الأخيرة الماضية، طبعا بغض النظر على النقاش المثار حول الترتيب الذي منحته منظمة مراسلون بلا حدود للمغرب،
هل هو دقيق يعبر عن حقيقة الوضع أم لا، لكن عموما فحرية الإعلام بالمغرب ليست على أحسن حال، والمؤشرات الأساسية تؤكد ذلك، من جهة أولى بسبب وجود عدد من الاعتقالات، رغم أن هؤلاء الصحافيين موجودين بالسجن وجهت لهم تهم غير مرتبطة بالصحافة، ولكن الجميع يدرك بأن هذه التهم وجهت في سياق سياسي أكثر من ما هو جنائي”.
أيضا مسألة الدعم، هناك ما يمكن وصفه الآن في المغرب بالتعددية الزائفة، بحيث هناك المئات من المواقع والصحف والمؤسسات الإعلامية، التي تدل من حيث العدد بأن هناك تعددية، لكن في واقع الأمر وإذا دققنا النظر، سنجد أن هذه المؤسسات لا تعكس تعددية حقيقية سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الايديولوجي،
ولكنها تنطق باسم جهات محددة ومعروفة، وهذه الجهات ربما تكون قريبة من السلطة، أو جهات من السلطة مختلفة ومتباينة، وليس هناك صوت يعبر عن موقف مغاير ومختلف، وحتى إذا وجد فإنه يتعرض بسرعة إلى حالات الاعتقال الذي يأخذ أشكال أخرى غير الاعتقال السياسي عن طريق توجيه اتهامات أخلاقية مثلا،
أو عن طريق أساليب أخرى تجعل الرقابة الذاتية عند الصحافي ويمارسها على نفسه عوض أن يعرض نفسه للمخاطر التي قد تنجم عن التعبير عن أراءه التي قد لا ترضي الجهات الرسمية.
والمشكل هو أنه لحدود الساعة لا توجد مؤسسات إعلامية عن طريقها يسمع نبض المجتمع وهذه مسألة خطيرة جدا لا بالنسبة للصحافة، بحيث تتحول الصحافة إلى مهنة للارتزاق فقط، ولا بالنسبة للوضع السياسي في البلد.
والكثير من الصحافيين غادروا البلد مضطرين ومن بقي فيمارس الرقابة الذاتية من أجل تجنب الأسوء.
المساحة الآمنة للعمل، ترتبط من جهة بهامش الحرية، وهو منقوص بشكل كبير ومن جهة أخرى بالأمن الاقتصادي، بمعنى أن الصحافيين يستفيدون من وضع اقتصادي ونموذج اقتصادي يسمح لهم بالإحساس بنوع من الأمان، وهذا الأمر متوفر نسبيا في بعض المؤسسات، ولكن ليس في جميع المنابر،
والملاحظ للأسف الشديد خلال السنوات الأخيرة مع ظهور المؤسسات الإلكترونية والصحافة القريبة من مواقع التواصل الاجتماعي، الهشاشة الاقتصادية التي ارتبطت بالصحافيين من ناحية طبيعة العقود وأيضا من خلال الرواتب التي تعرض عليهم.
ومنه فحرية الإعلام ليست متوفرة بشكل كبير، الأمان الاقتصادي أيضا غير متوفر، بالإضافة إلى القيم المهنية الجماعية التي يجب أن تشكل صمام الأمان للممارسة المهنية وللعلاقة مع الإدارة والمسؤولين ومع الزملاء.
ويضيف الصحافي محمد البقالي أن “مسألة المصلحة العامة دائما تحيل على الأدوار التي يجب أن تقوم بها الصحافة والمتعلقة بالإخبار والتثقيف والتوعية والتربية والترفيه، وأيضا دور مراقبة السلطة، والملاحظ الآن أنه على مستوى الإخبار هناك إشكال كبير،
في الأولويات الإخبارية، وبالتالي فدور الإخبار لا يتم كما ينبغي أن يكون، ومنه فالنتيجة هي أن الإخبار لا يخدم المصلحة العامة، وهناك صعود لنزعة الترفيه والتي تحولت الى صحافة الإثارة في هذا السباق المحموم مع مواقع التواصل الاجتماعي والبحث عن اللايكات والنقرات والمشاهدات، وبالتالي هذا الأمر أيضا أثر على الصحافة.”
الإطار المؤسساتي الدولي والوطني المتعلق بحرية التعبير يندرج تحت بند حرية التعبير حزمة من الحريات، كحرية الصحافة وحرية الإعلام، وتعتبر كل من الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان وقوات حفظ السلام بالإضافة إلى مجلس الأمن ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجان التحقيق والبعثات الأممية بمثابة مؤسسات دولية منشأة بموجب ميثاق أو بموجب معاهدات، للدفاع عن حرية التعبير.
أما على المستوى الوطني فالإطار المؤسساتي المتعلق بحرية التعبير، يتمثل في السلطة التنفيذية: رئيس الحكومة ووزراء الحكومة، والسلطة التشريعية: البرلمان، مجلس النواب ومجلس المستشارين، السلطة القضائية كذلك، المجلس الأعلى للسلطة القضائية،
فالقضاة هم من يقومون بإصدار الأحكام في قضايا الصحافة، بما يتماشى مع ما هو وارد في القانون، وقد سبق للمجلس وأن نظم ندوة دولية بشراكة مع اليونسكو في موضوع: “دور القضاء في تعزيز حرية التعبير بالمنطقة العربية”
وتعتبر النيابة العامة كذلك بمثابة إطار مؤسساتي متعلق بحرية التعبير، على اعتبار أن ما تملكه من آليات ووسائل تجعلها تتدخل بشكل غير مباشر في مجال الحريات والحقوق ومن بينها حرية التعبير، وأيضا حرية الصحافة.
وفيما يخص الهيئات الدستورية، فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى جانب الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ومجلس المنافسة ومؤسسة وسيط المملكة والمجلس الوطني للصحافة، ولجنة الحق في الحصول على المعلومات ثم المركز السينمائي المغري وغيرها من المؤسسات تدافع عن حرية التعبير.