في وقتِ الشدائدِ والمِحن، في وقتِ الأزمة التي تختنق على إيقاعها الأنفاسُ. في وقت المصائب التي تنزل على الإنسان من دون سابق إنذار ولا سالف إشعارٍ، ترى الأبطال المزيفين، المصنوعين من ورق المقوّى ومن جلدِ الحرباءِ يختفون واحداً تلو الآخر، فمنهم من دخلَ جُحرَه كأنّ شيئاً لم يقع، ومنهم من أعلن تضامناً مزيّفاً من ورائهٍ رياءٌ ويريد به جزاءً.
في الجهة الأخرى، سواعدُ الرجال تستعدّ لتُجرحَ ولِتُخدشَ ولتُكسرَ، ونفوسهم، بينها وبين الموت شعرةُ معاويّة. كلّ هذا من أجل إنقاذ حياة طفلٍ، حياة شعبٍ وصورة وطنٍ ودولةٍ.
هؤلاء الأبطال الحقيقيون، هؤلاء الرجالُ الشِّجاعُ البواسلُ، لم يكن أحدٌ يعرفهم قبل الفاجعة، لأنّهم لا يملكون حسابا في ” الإنستغرام” ولا يقضون اليومَ كلّه في نشر صورهم وهم يأكلون في المطاعم الفخمة ويرتادون الحانات الباريسيّة، مثل اولئك الذين نعرفهم جميعا والذين يجنُون الأموال من تفاهات ينشرونها على ” يوتيوب ” أو من مقاطع موسيقية مثقوبة لا إبداع فيها يقدمونها بوجوههم الملطّخة بمكياجٍ غريب لجماهير مسلوبة العقل.
هؤلاء الرّجال الأبطال ظهروا في وقت المِحنةِ ليُنقذُوا الإنسانية. سائقو الجرّافات وأبونا ” سّي علي” ومن معه أتوا من الهامش، من عمق الجنوب الشرقي وسهروا الليالي الطّوَال ووقفوا في وجه التعب والإرهاق بل في وجه الموت وقفةَ الرّجال الذين تربّوا في حضن الكفاح وحبّ الإنسانيّة.
الكلّ أتى من فجّ عميق. رجال الوقاية المدنية والدرك الملكيّ والقوات المساعدة وقوات التّدخل السريع والمهندسون والطّبوغرافيّون والأطباء والممرضون ولن ننسى أبدا الصّحفيين الحقيقيين الذين قاوموا بغية توفير المعلومة الصحيحة والخبر السليم الذي حاول “المسترزقون بالمآسي ” تعويضه بالإشاعات والأكاذيب. كل المتدخلون تحدّوا كلّ شيء وغايتهم العظمى وهدفهم الأسمى إنقاذ ريان، إنقاذ الوطن، إنقاذ الإنسانية وشعارهم في ذلك ” ريان ابننا وأخونا الصغير والوطن يحتاجنا”.
آنَ الآوان لنُبوّء كلّ شخص المكانة التي تليق به. آن الأوان لنثنيّ على الأبطال. آن الآوان لنوقّر رجل النظافة والوقاية المدنية والمهندس والأستاذ والكاتب والطبيب والممرّض والعاملين بسواعدهم، فعليهمْ يُعوّلُ الوطنُ في درءِ الإشاعة والدفاع عن قضاياه بالقلم وإنقاذ أبنائه بالسّواعدِ. آن الآوان ليعلم الوطن أنّ التّافهين إنّما يعرقلون عمل الرجال والأبطال وهمهم استغلال الفرصة من أجل جمع ” اللاّيكات” والمشاهدات.
فاعلم أيها الوطن أنّك، من دون الأبطال الحقيقيّين، لن تجد من ينقذك.
اعلم أيها الوطن أنّ أبناءك البررة هم عمودك الفقريّ وهم أحقّ وأولى بكلّ الدّعم.
يحيا الأبطال الحقيقيون، يحيا الوطن.