هذه سلسلةٌ لا بدّ أن نعترف أنّها نجحت في أمور كثيرة، وبها أيضا اختلالات سنحاول الكتابة عنها لاحقا في قالب نقديّ إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً. استطاع هذا العمل الفنّي أنْ ينسجَ قصةً مستوحاة من الموروث الثقافي الأمازيغي وأنْ يلقي نظرةً ثاقبة على الصراعات التي كانت تُؤجّجُ داخل القبيلة سواء بين الأفراد أو بين السكان والسلطة الحاكمة.
كما أنه سلّط الضوء على “الجمهور المنعزل أو “المعزول” الذي تتعارض أفكاره مع أعراف القبيلة وتتناقض أهدافه مع السلطة الحاكمة داخل القبيلة.
كانت الحيلة وما زالت من أقوى الأساليب التي قد تُنجي الانسان من الوقوع بين مخالبِ الخبثاء وبين فكيّ المتآمرين، لكنّ قوتها هذه قد تقود صاحبها إلى الهاوية حينما يكون في مواجهة قوةٍ أخرى تجمع بين الدّهاء والقاعدة الجماهيريّة التي تؤمن بفكرة واحدةٍ.
وهذا هو الحال بالنسبة للخارجين عن الأعراف (أداغور وكتيبته) حيث إنّ إيمانهم بما يقومون به كلصوصٍ وكقطّاعِ طرقٍ، يمنحهم نوعا من المواساةِ “الرّوحية” وثقتهم في قدراتهم تسوّغ لهم ما يقومون به. حينما يؤمن الفردُ بفكرةٍ متمردة على الأعراف فإنّه لا يستطيع الجهر بها، وهو بذلك يحتاج إلى أناسٍ آخرين ، وبتعبير “سارتر” فهو بحاجة إلى جمهور يكتشفُ من خلاله نفسَه.
“قطّاعُ الطرق”اجتمعوا على فكرة واحدة وهي أن عملهم مشروعٌ لأنّهم في مواجهة قوى أخرى تريد القضاء عليهم والاستلاء على ما بين أيديهم. من هنا، فالفكرة استولت على نفوس وعقول الجماهير، وبذلك تتحول إلى قوةٍ، بتعبير “ماركس”.
الجماهير تميل إلى العاطفة ومحرّك العقل عندها حاضر حينما تريد تنفيذ خطّة تؤكد بها وجودها وقدرتها، وهذا ما حدث بالفعل مع كتيبة اللصوص حينما أطاح زعيمهم ب (بابا علي). لن نخوض في الحدثِ كعنصر “قصصيّ” قد يصنفّ كعقدة سيأتي بعدها حلّ، ولا يهمنا إن كان المشهد أصلا واقعيا في القصة ام أنه مجرد كابوسٍ رآه أحدهم في منامه. لكن نحن هنا نحاول تحليل الأبعاد الانثربولوجية- إنْ صحّ التعبير – للعمل ككل.
“بابا علي” معروف بدهائِه ، لكنّه ، كأيّ إنسان، قدرته تقاس بقدرة الخصوم الذين يواجههم. إذن، حينما يتعلق الأمر بقوة جماهيرية، فهنا نستحضر التحليل الانثربولوجي ل( غوستاف لوبون) الذي يؤكد ميول الجماهير إلى”الجنون”، أي أنها مستعدة لفعل أي شيء في سبيل إرضاء أهواء نفسية. الجماهير إنْ لم تستطعْ هزيمتك بالحِيلَة، فستلجأ إلى أساليب “الغوغاء” وستمارس العنف على خصمها للقضاء عليه. (بابا علي) هو مثال لإنسانٍ ذكيّ وفطن وماكر، ولا شكّ أنّ دهاءَه يساعده في إبقاء نفسه سالماً داخل النسيج القبلي الذي ينتمي إليه، فبدهائهِ يستطيع إبعاد أذى الأخر عنه وبمكرهِ يقدرُ على جلبِ مصلحتهِ دون عناءٍ كبيرٍ.
إلا أنّ( بابا علي) هو أيضا نموذج لإنسانٍ لا يدرك حدودَ ذكائه ولا يعي جيدا المساحة التي من المعقول أن يحرّك فيها حيّلهُ، وهو بذلك معرّض لأنّ يوقعه دهاؤهُ في داهيّة دهياء وأن يجرّ عليه المصائب العظيمة. دهاء( بابا علي) مهما عظمَ لا يمكن أنْ يهزمَ الجماهير( أداغور وقطاع الطرق) التي تعيش على فكرة القوةِ والتميّز ، حتّى إنّ تهديد الموت لن يرعبهم بنفس المِقدار الذي سيرعب (بابا علي) الإنسان الذي مهما نجى من دسائسِ قبيلتهِ ، والتي ما هي إلاّ محاولة لإبعاده أو عزله وليس قتله، فإنّ فرصةَ نجاته من بطشِ الجماهير التي تجدُ في قتله راحة تبقى شبه معدومة ، لأنّ الجماهير حينما تصنّفكَ كعدوّ مهدّدٍ لوجودها ولبقائِها، فإنّها لن تتوانى على هزيمتك مهما سيكّلفها الامر من عناءٍ…