حمزة تزمرت شاب يافع من “فئة القمريين”يبلغ من العمر 26سنة ، يعيش في الظلام طيلة حياته لأن الشمس تعرضه لأخطار صحية صعبة .
بالنسبة لمرض “جفاف الجلد المصطبغ” أو ما يسمى بمرض “أطفال القمر” فإنه لا يوجد علاج يساعد المصابين به على عيش حياة طبيعية، بل وكل ما يمكنهم فعله هو تجنب الشمس تماماً وتطبيق تدابير وقائية صارمة ومكلفة للغاية، يشمل ذلك ارتداء الملابس الواقية التي لا تمر من خلالها الأشعة فوق البنفسجية، ووضع واقي الشمس كل حين بالإضافة الى قناع خاص و مراهم مكلفة للغاية .
أصيب الشابان حمزة وأخوه محمد بمرض جفاف الجلد التصبغي منذ السنة الأولى من ولادتهما، فكبرا وكبرت معهما معاناة طويلة ، أجبرا فيها على حب أجواء الليل أكثر من النهار، والتأقلم مع الضوء الخافت بدل ضوء الشمس الساطع.
نمط حياة يختلف عن باقي الناس، من جميع النواحي سواء تعلق الامر بالصحة، بالدراسة، باللعب ، الاحتفال بالاعياد وسط أجواء عائلية أو حتى بأبسط الأمور المتعلقة بالنزهة والخرجات.
عانى حمزة واخوه” الشابين القمريين” من حروق جلدية خطيرة مع أقل تعرض لأشعة الشمس،
ولم يلتحقا بالمدرسة الا بعد إلحاح الخال على ضرورة تعلمهما رغم بعد المسافة بين البيت والمدرسة في القرية ، ومعاناة حياة صعبة وإجراءات مشددة لحمايتهما من مرض يصعب التعايش معه و علاجه في ظل الظروف التي كبر فيها الشابين.
بالنسبة للكثير من “أطفال القمر”، التأقلم مع هذه الحياة يحتاج لمجهود استثنائي من الأهل، ومن المحيطين لحمايتهم من أشعة الشمس وخطر الموت المؤلم البطيء.
فعلى الرغم من أنهم يبقون داخل المنزل أغلب الوقت ، إلا أن عليهم تغطية أنفسهم من الرأس حتى أخمص القدمين بواقٍ من الشمس في الصباح، ثم تكرار العملية بعد الظهر، معاناة يومية، تبدأ بقطع مسافات طويلة وتضاريس صعبة ومناخ صعب خلال فصل الشتاء وجو اصعب خلال فترة الحر والصيف. ناهيك عن المعاناة داخل الفصل من تنمر وجهل بالمرض بالنسبة للصغار والكبار ، ليعيش حمزة وأخوه عزلة حُرما فيها من اللعب ومسايرة الاطفال في نشاطاتهم. والتفاعل معهم لعيش حياة طبيعية وتكوين صداقات مع أشخاص من خارج العائلة.
كبُرت عزيمة حمزة ومحمد بعد النجاح والحصول على الشهادة الابتدائية، ليلتحقا بمعهد المكفوفين بعد رفض مدير إحدى الاعداديات لهما بحجة نشرهما لعدوى المرض بين الطلاب .بعد حصول حمزة على الشهادة الاعدادية، التحق بمعهد محمد السادس للمكفوفين بتمارة ليحصل بعد مثابرة وجهد دراسي كبير على شهادة الباكلوريا بميزة حسن جدا.
أجرى محمد وأخوه عمليات جراحية عديدة تطلبت من والدهما أموالا كثيرة رغم العوز والحاجة، لتزداد الاحتياطات كما ازدادت الرغبة الملحة في الالتحاق بالجامعة فكان ذلك سنة 2019 بجامعة محمد الخامس السويسي بكلية الحقوق بالرباط.
رغم صعوبة مسايرة الدروس لضرورة الحضور اليومي للمحاضرات وتأثيره على الجسد نظرا للكم الكبير من الأمراض التي يصاب بها الجسد وكذلك العينين بعد التعرض للشمس ولو من بعيد، والتي قد تؤدي الى جميع أنواع الاعاقات لخطورة هذا المرض على العظام، المفاصل ، نقص فيتامين “D” , فقدان البصر ، السمع و الجهاز العصبي …إلا أن عزيمة حمزة وأخيه وقوة إرادتهما دفعت بهما قدما نحو تحقيق الهدف المنشود ألا وهو الحصول على الاجازة .
وكان ذلك بالفعل حيث أصبح حمزة وأخوه محمد أول شابين من “اطفال القمر” يحصلان على الاجازة في القانون الخاص ليبرزا للعالم على أن المصابين بمرض جفاف الجلد التصبغي ، قادرون على تحقيق الاهداف والتغلب على المرض رغم خطورته .
- العوائق الادارية والصحية
من العوائق التي كانت وتقف دائما في وجه حمزة وأخيه هي:
– غياب التوعية بالمرض بين الناس ممايزيد من زيادة الشحن والتأثر النفسيين.
–تكلفة الادوية : ضرورة التوفر على المراهم وواقي الشمس وقطرات العين والدموع الاصطناعية بشكل دائم ومستمر
– تكلفة التغذية :ضرورة اتباع نظام غذائي صحي
– غياب التجهيزات التي يحتاجها طفل القمر في حياته اليومية
– غياب اهتمام الإدارة المغربية ب” فئة القمريين ” يجعلهم يتعرضون للاهمال والإساءة النفسية .
– حرمان أطفال القمر من كل اهتمام حكومي فيما يخص الصحة والتعليم والتشغيل
– غياب الاهتمام الاعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي بهذا المرض .
_ التعرض للمضايقات والتنمر في وسائل النقل من حافلات وسيارات اجرة
وقد لخص حمزة كل هذا في تجرد فئة القمريين من أبسط الحقوق التي جاء بها الدستور المغربي.
- من رحم المعاناة يولد العظماء
حكمة لطالما كررها وآمن بها حمزة تزمرت، بل وجعلها هدفا يأمل أن يصل به إلى مبتغاه ألا وهو الوظيفة كحلم لكل إنسان عادي يأمل في الاستقلال المادي عن والديه والاكتفاء بحاجياته بمفرده دون الاتكال على أحد .فمتى تستيقظ ضمائر الهيئات المختصة ، ومتى تنظر الحكومة الى هاته الفئة المهمشة من البشر بعين الرحمة؟ ومتى تصنفها ضمن الاعاقات التي يجب رعايتها والاهتمام بها وخلق جو لتتعايش فيه مع الحياة؟
لطالما تكررت هاته الكلمات على لسان حمزة : “أحياناً عندما أشعر بالإحباط، أعتقد أنه ليس لدي مستقبل، ولكن بعد ذلك أقول لنفسي، فكر بإيجابية، لا يزال هناك الكثير الذي يمكنني القيام به، أريد أن احصل على إجازة ثانية في القانون العام ، وأحصل على وظيفة “.
” غير أن هذا غير كاف يضيف حمزة في ظل العراقيل الادارية والصحية التي تواجهنا كل يوم ”
ورغم كل هذا الألم وهذه المعاناة ومع ضعف الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة، فإن معظم هؤلاء الأطفال بمن فيهم المراهقين والشباب يتألمون في صمت ، ويعانون بعيدا عن أعين الجهات المختصة وعن وسائل الاعلام.