كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في أحدث مذكرة إحصائية لها، عن مؤشرات مقلقة تعكس عمق الأزمة المعيشية التي تعاني منها الأسر المغربية. فقد أكدت نسبة ساحقة بلغت 77,9 في المائة من الأسر أن مستوى معيشتها تراجع بشكل ملحوظ خلال السنة الأخيرة، مقابل 5 في المائة فقط اعتبرت أن وضعها تحسّن، ليستقر رصيد مؤشر مستوى المعيشة عند مستوى سلبي بلغ ناقص 72,9 نقطة.
ولا يقتصر هذا التشاؤم على الحاضر فحسب، بل يمتد إلى المستقبل القريب، إذ تتوقع أكثر من نصف الأسر المغربية (51,4 في المائة) استمرار تدهور مستوى المعيشة خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، في إشارة واضحة إلى فقدان الثقة في تحسن الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية في المدى المنظور.
أما بخصوص سوق الشغل، فقد عبرت 70,5 في المائة من الأسر عن قلقها من ارتفاع متوقع في معدلات البطالة خلال السنة القادمة، ما يعمق مخاوف الشباب من فقدان فرص العمل أو صعوبة الحصول على وظائف لائقة. ونتيجة لذلك، بات المواطنون أكثر حذراً في إنفاقهم، حيث ترى 69,4 في المائة من الأسر أن الظرفية الحالية غير مناسبة إطلاقاً لاقتناء السلع الأساسية أو المستديمة.
وتظهر المذكرة أيضاً هشاشة الوضع المالي للأسر، إذ لم تتمكن سوى 2,3 في المائة منها من ادخار جزء من مداخيلها، في حين اضطرت 38,7 في المائة إلى اللجوء إلى الاقتراض أو استنزاف مدخراتها السابقة لتغطية مصاريفها اليومية، بينما صرّحت 59 في المائة بأن مداخيلها بالكاد تكفي لتغطية النفقات الأساسية دون أي هامش للطوارئ.
ورغم تسجيل مؤشر ثقة الأسر استقراراً نسبياً عند 53,6 نقطة خلال الفصل الثالث من سنة 2025، مقابل 46,2 نقطة في الفترة نفسها من العام الماضي، إلا أن هذا التحسن يبقى سطحياً، إذ تراجعت المؤشرات الفرعية المرتبطة بالمعيشة والبطالة والقدرة الشرائية، مما يعكس واقعاً اجتماعياً واقتصادياً قاتماً لا يزال بعيداً عن أي انتعاش فعلي.
ويُذكر أن المندوبية السامية للتخطيط تعتمد في حساب هذا المؤشر على سبعة مكونات رئيسية تقيس نظرة الأسر لتطور المعيشة، وسوق الشغل، والوضعية المالية، وفرص اقتناء السلع المستديمة، وهي كلها مؤشرات تُظهر اليوم أن ثقة المغاربة في الاقتصاد الوطني بلغت أدنى مستوياتها منذ سنوات.















