تتوالى أخطاء القنوات العمومية المغربية بشكل يثير القلق، لتكشف عن واقع مأزوم لإعلام يُفترض أن يكون واجهة الوطن و صوت المواطن.
فمرة أخرى، يسجل الإعلام العمومي سقطة مهنية فادحة، عندما حوّل الذكرى الثانية و الستين إلى الثانية و السبعين، في تقرير رسمي بثته القناة القناة الثانية بنشرة الظهيرة التابعة لقنوات العرايشي ، و كأن عشر سنوات أُضيفت إلى تاريخ البلاد بلا تدقيق ولا مراجعة.
هذا الخطأ لم يكن استثناءً، بل حلقة جديدة في مسلسل طويل من الإخفاقات التي تكشف ضعف المسؤولية و غياب الرقابة الصارمة داخل مؤسسات الإعلام العمومي.
فلا يزال المغاربة يتذكرون الخطأ الصادم عندما تم توصيف ولي العهد الأمير مولاي الحسن بـ”الأميرة”، أو التغطية المرتبكة و المخيبة لاحتفالات استقبال المنتخب الوطني عقب إنجازه التاريخي في مونديال قطر.
ولعل أكثر الأخطاء فداحة ما حدث خلال بث مباشر لأحد الدروس الحسنية الرمضانية، عندما أظهر “Grand Plan” تفاصيل دقيقة عن الحالة الصحية لجلالة الملك، في تجاوز صارخ لقواعد النقل الاحترافي و احترام البروتوكول الملكي.
و رغم حجم الخطأ، لم تتم محاسبة أي مسؤول، بل إن المخرج الذي كان وراء الواقعة أُحيل على التقاعد و تم التمديد له عبر عقد !
المفارقة الكبرى أن هذا التسيب ما كان ليحدث في زمن الحسن الثاني طيب الله ثروه ، حين كان أي خطأ، مهما صغُر، كفيلاً بإقالة مدير التلفزة فورًا . اليوم، تبدو الأمور و كأنها تسير في الاتجاه المعاكس، حيث تُرتكب الأخطاء بالجملة دون أي مساءلة، و كأن أموال دافعي الضرائب مخصصة لتمويل إعلام مرتجل لا يلتزم بالحد الأدنى من المهنية أو المسؤولية.
هذا الواقع يفرض طرح أسئلة عميقة: أين هي الحكامة الجيدة التي يُتغنى بها في المؤسسات العمومية؟ و من يحاسب المسؤول الأول عن هذا القطاع الذي تحوّل إلى نموذج للفوضى و سوء التدبير؟
إن إصلاح الإعلام العمومي لم يعد خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة وطنية ملحّة. إصلاح يبدأ بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، و إعادة هيكلة منظومة التسيير، و إسناد المسؤولية إلى كفاءات حقيقية قادرة على حماية صورة البلاد و صون هيبة مؤسساتها، بدل الاكتفاء بإدارة أزمات متتالية تسيء للوطن أكثر مما تخدمه.















