يواصل الإعلامي أحمد إفزارن حكاياته الجميلة و هي محطات من سيرته الذاتية التي انتهى منها مؤخرا و يقوم موقع ” لوبوكلاج ” بنقلها بكل أمانة. حكاية اليوم عن الخلاف الذي وقع بين والده و بين حماره.
عَضّةُ الحِمار!
كان أبي في إحدى الأسواق المُحاذيةِ لقَريتِنا “رأس جِيرّي”.. وفي الطريقِ اختلفَت مِشيةُ أبي عن مِشيةِ
حِماره، فوصلَ أبي قَبلَ الحِمار..
الأمطارُ كانت شديدة..
ولم يَتمكّن الحمارُ من المشيِ على مُستَوى سُرعةِ أبي..
غضِبَ أبي.. أيُعقَلُ ألاّ يكُونَ حِماري قد وصَل؟ لقد كان هو السابق.. وعلى طُول الطريق كان هو أمامي، وأنا أتبَعُه.. فماذا حدَث؟
كان أبي غاضِبًا..
إنّ الحمارَ رفيقُه في الذهابِ والإيّاب..
وما زالَ أبي يتساءلُ عمّا حصَل، حتى وصلَ الحِمار..
وجدَه أبي في استقبالهِ ببابِ كُوخِنا.. وساعدتهُ أمّي في إدخالِ ما أتَى به من السّوق..
وخَرجتُ إلى الحمار، وصِرتُ أُؤنّبُه بطريقتي على تأخُّرهِ في الطريق: “أيُّها الحِمار، كيفَ تَتأخّرُ عن أبي؟”..
سمِعَني أبي، وبَدأ يَضحَك..
وأنا لم أتوقّف عن زَجرِ حمارِ أبي: بلغَ بيّ التوتّرُ درجةَ الصّراخِ في وَجهِ الحِمار..
وأبِي لا يكُفّ عن الضّكك: “يا أحمَد! اللهُ مُسامِح.. سامِحِ الحِمار!”..
ولا أفهمُ كيف أنّ هذا الحِمارَ قد فَهِم..
لقد ردّ عليّ بتوتُرِ مُماثِل..
واتضحَ أنّني أنا والحمارُ على مُستَوّى واحدٍ من التّصعِيد..
غضِبَ الحمارُ منّى، وانقضّ على رُكبتِي اليُمنَى..
لقد عضّنِي عضًّا شديدًا.. مُوجِعًا..
وصارت عَضّةُ الحِمار نُكتَةً في كُوخِنا!
وتنكيتًا في أوساطِ بناتِ وأبناءِ القرية..
▪︎يا حسرةَ على طُفولةِ “رأس جيرّي”!
هناك أمضيتُ أجملَ أيام حياتي..
جَمِيلةٌ بعُمقِها الإنساني..
وهذا “الفَضاءُ القَرَوِي” قد أصبحَ اليوم تَجمُّعًا سكنيًّا كبيرا..
ولكن، عندما زُرتُ أبناءَ خالي هناك، صُدِمتُ كثيرا: هذا ليس “رأس جيري” الذي عشتُ فيه قبلَ 70 عامًا..
تَكدَّسَت فيه مَظاهرُ البؤس والفقر والبطالة واللاتعليم..
في طفولتي كان فضاءًا للتعايُش والتواصل، مُنتعِشًا بالاخضِرار الزّاهر في كلّ اتّجاه..
والضّيعاتُ الفرنسيةُ تَنتشِرُ فيها وحولَها شُجيراتُ العِنب، وأنواعٌ من الحبوب والخُضَر والفواكه.. وفي كل اتجاهٍ ترى الأغنامَ والأكباشَ والبقَر..
الثروةُ كانت حاضِرة..
والأطفالُ مُواظبون على الدراسة..
ومن مكناس يعُود أبناءُ القرية الجميلة، ليَحكُوا عن الدراسة الثانوية..
ومنهم من أصبحَ يَدرس في الجامعة بالرباط..
ونحن أولُ فوجٍ في المَدرسة العصرية..
وثاني فَوجٍ حصل على الشهادة الابتدائية..
أما أنا وأخي حمّادي، ففي عُطلة الصيف نشتغل في ضَيعاتِ قطفِ العِنَب..
ونُوفّرُ دراهم لشراءِ احتياجاتِنا الدراسية..
وكان والدِي يُشجعُنا على العَمل..
▪︎العملُ عبادة!
كان يُكرّرُ هذا على مَسامعِنا..
ويقول: “النبيُّ نفسُه كان يَشتغل.. لقد كان راعِيّا للغَنم.. ثم تاجرًا”..
وتَشبّعنا بهذه الصّورةِ التي كان يُلقّنُها لنا والدِي..
ويدعُونا إلى عدمِ تركِ المَسجِد..
وبعد كلّ فَجر، يُوقِظُني الوالِد، فأذهبُ إلى المَسجِدِ لحِفظِ القُرآن..
وبَعدَهُ أتَوجّهُ إلى المَدرَسَة!