· آمنة ماء العينين
إن إقدام الحكومة على تغيير القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة بقانون جديد يكاد ينسخ الأول ويغير المنطق الذي بني المجلس على أساسه، ليس أمرا ثانويا يتعلق بهيئة لتقنين مهنة مهما كانت أهميتها وحساسيتها، فهي تظل مهنة ضمن مهن أخرى. إنه انقلاب…انقلاب يحمل في طياته مؤشرات لا تبشر بخير ويجب الانتباه إليها.
لم يصل المغرب يوما إلى هذا القدر من الاستخفاف بالدستور والقانون والمؤسسات، نحن في مواجهة حكومة تم تنصيبها بالطرق المعروفة، وقد مُنحت لها أغلبية واسعة بنزوعات تغلٌّبِية استقوائية تقول أنها تحتكر الحقيقة وتفعل ما تريد ما دامت تملك العدد اللازم لتمرير ما تريد.
الحكومات المنتخبة تحرص على استتباب القواعد الديمقراطية والمؤسساتية التي يجب أن تخضع لمنطق التراكم حتى تصير قادرة على ترسيخ نظام ديمقراطي يحتاج لسنوات طويلة، لكن هذه الحكومة ذات البوادر الانقلابية لا تبشر بخير في ظرفية غاية في الصعوبة والحساسية. لنلاحظ أن تغيير كل ما نريد ووفق ما نريد بقانون ما دمنا نملك الأغلبية،
هو سلوك الحكومة التي تعرف مع من هندس وجودها أن المعارضة التي تم تقزيمها لا تملك نصاب تفعيل الآليات الدستورية المتاحة لمواجهة انقلابها. وبذلك تعيث في التشريعات نسخا وتعطيلا والتفافا.
وإلا فما معنى استحداث لجنة مكونة من نفس الأشخاص لتفعل في سنتين إضافيتين ما رفضت فعله في أربع سنوات وزيادة مع التمديد في إطار الشرعية والالتزام الأخلاقي الواجب تجاه الدستور وتجاه الفاعلين؟ ثم لماذا تم تجاهل إمكانيات نص عليها القانون المؤسس ومنها الاستعانة بقاضٍ يشرف على الانتخابات المهنية؟
مشروع القانون المذكور مشروع غير دستوري، ولو تمكنت المعارضة من تحصيل النصاب اللازم لإحالته على المحكمة الدستورية، لكانت احتمالات القضاء بمخالفته للدستور كبيرة.
ليس المهم هو القانون في حد ذاته، لكن الأهم هو المعنى، فقد لا ننتبه حالا لخطورة منطق الانقلاب، لكننا قد نتنبه حينما يفوت الأوان، فنحن نعلم كيف تبدأ الأشياء، لكن لا أحد يعلم كيف تنتهي. والواجب اليوم هو التكتل لتحصين الدستور والقانون ومنطق الدولة والمؤسسات، لأن التجرؤ على كل ذلك مقترنا بالاستسهال واستمراء التنقيص من المعارضين، قد يجلب أشياء تستبطن شرا كبيرا بهذا البلد وأهله. والوضع لا يكاد يحتمل.
في الأخير، لقد ابتُلي المغاربة بحكومة منذ قدومها والمغرب وأحوال أهله “من اللور للور…والله يحد الباس”. وفي ذلك عبرة لمن يعتبر